وناب في الحكم ثم سعى فيه استقلالاً، وجرى له في ذلك كائنة وخلّصه منها الشيخ جزاه الله خيراً مع ما بينهما من التنافس وكان بينهما ما يكون بين الأقران وما كان ينصفه في المباحث.
قال شيخنا الحافظ ابن حجر: وتخرّج في الحديث بزين الدين الرَّحَبِي
وعلاء الدين مغلطاي وكتب عنهما الكثير وأكثر من تحصيل الأجزاء وسماع
الكتب الكبار وعني بالفقه فأخذ عن شيوخ عصره ومهر في الفنون.
وكان في أول أمره ذكياً فطناً، رأيت خطوط ذلك العصر في طباق
السماع توصفه بالحفظ ونحوه من الصفات العلية، ولكن لما رأيناه لم يكن
بالاستحضار ولا في التصرف بذاك، وكأنه لما طال عمره استروح وغلبت
عليه الكتابة فوقف ذهنه.
واعتنى بالتصنيف فشرح كثيراً من الكتب المشهورة كالمنهاج والتنبيه والحاوي، فله على كل واحد عدة تصانيف يشرح الكتاب شرحاً كبيراً ووسطاً وصغيراً ويفرد لغاته وأدلته وتصحيحه ونحو ذلك.
ومن محاسن تصانيفه شرح الحاوي ورأيت منه نسخة كتبت عنه في حدود سنة خمسين، وشرح البخاري في عشرين مجلد وعمله في نصفه الأول أكثر من عمله في نصفه الآخر ويذكر أن بينهما مدة عشرين سنة، ثم شرح زوائد مسلم ثم زوائد أبي داود ثم زوائد الترمذي والنسائي وابن ماجه -كذا رأيته بخطه ولكن لم يوجد بعده لأن كتبه احترقت قبل موته بقليل، راح فيها من الكتب النفيسة الموقوفة وغير الموقوفة شيء كثير جداً.
وجمع في الفقه كتاباً سماه الكافي أكثر فيه من النقول الغريبة واشتهر اسمه وطار صيته ورعب الناس في تصانيفه لكثرة فوائدها وبسطها وجودة ترتيبها، وكانت كتابته أنبل من استحضاره، فلما قدم الشام فاتحوه في كثير من مشكلات تصانيفه فلم يكن له بذلك شعور ولا أجاب عن شيء منه، فقالوا في حقه ناسخ كثير الغلط.