كالزهري وابن الشريشي والقرشي وأثنوا عليه حتى قال الشيخ شهاب الدين الزهري: ما قدم علينا من مصر مثله.
وكان مشهوراً حين قدومه إذ ذاك، يحفظ الروضة وقرأ نصف المختصر لابن الحاجب على الزهري وأذن له بالإفتاء، وكذلك بقية مشايخ الشافعية بدمشق -كما ذكر ذلك في إذنه لي بالإفتاء في أول سنة ست وثلاثين وثمان مائة- قال: وكان أذن لي قبل رحلتي بالقاهرة في سنة ثلاث وثمانين ولي ثلاث وعشرين سنة.
وسكن بدمشق حال الطلب بالقيمرية مع جماعة من الفضلاء منهم الشيخ شهاب الدين ابن نشوان وعُدّ من طبقته، وصحب والدي وكان يثني عليه، وكان كثير الملازمة والتردد لوالدي.
وجلس للإشغال بالجامع وقرأ عليه جماعة من الفضلاء ثم ترك ذلك واشتغل بعمل المواعيد فاجتمع عليه خلق كثير لفصاحته وحسن أدائه وتفقه به جماعة من العامة -لكن ضيّع نفسه مدة طويلة بذلك.
ودرّس بدمشق بالدولعية استقلالًا والشاميتين والعذراوية والرّكنية نيابة، وأعاد بالظّاهرية والشّامية الكبرى وتصدّر بالمسرورية مدة ثم أخذت منه.
وناب في الحكم عن الأخنائي والقاضي نجم الدين ابن حجي فمن بعدهما من القضاة وكان عارفاً بصنعة القضاء فاضلًا في كل شيء، وقرأ البخاري للأمير نوروز الحافظي مرتين.
وكان فصيحاً ذكيّاً جيّد الذّهن سليم الصّدر سهل الانقياد مطّرح التكلف، قليل الشّر حسن الظّاهر والباطن، وله في المجالس العامّة الكلام النافع بحيث إن غالب من حضره من مذهبه وغيره من أقرانه يمتثلون قوله ويتبعونه لحسن أدائه ومعرفته، وكان ثقة ضابطاً لما يقوله ويرويه.
ثم إنّه في أواخر عمره بعد موت أقرانه دخل إلى جامع دمشق فدرّس الطّلبة وأقرأ المنهاج والتنبيه والحاوي كل منهم قسمه في سنة.