وكثر العُوَّاد له وضاقت أخلاقه وهو طيب الخاطر عقله حاضر.
وعُدْتُهُ مرتين وهو يدعو لي ثم تزايد به الحال إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم السبت وقت العصر ثامن عشر صفر سنة أربعين وثمان مائة وله ثمانون سنة، ودفن يوم الأحد ضحوة النهار.
واتفق في تلك الليلة وفاة صاحبنا الفاضل شمس الدين محمد المكيسي كما تقدم في ترجمته، ودفنا في وقت واحد بباب الصغير بقرب سيدي بلال -رحمهما الله سبحانه وتعالى.
وقباب بالقاف والباء الموحدة بعد ألف ثم جاء موحدة أخرى، من قرى أشموم الرمان من الوجه البحري من الديار المصرية، وكان والده خطيب القرية المذكورة.
وقد رثاه جماعة بعد وفاته فممّا رثاه به بعض الفضلاء هذه الأبيات:
لقد مادت الأرضون إذ قيل قد مضى ... أبو زكريا خُلقه الفضل أجمع
كأنّ نهاراً غاب فيه ضياؤه ... ظلام علينا دجنه ليس يقشع
فلله ما نلقى أسىً من فراقه ... فقد كادت الأكباد منه تصدع
لقد كان يحيى سيداً متناولاً ... من المجد حظاً فيه للناس مرتع
وما زال حتى ساورته منية ... سواء لديها الباز. . . والأبقع
وما أحدٌ إلا ويسقى بكأسه ... وتحضنه سوداء وحش بلقع
لعمري ما للمرء في الموت حيلةٌ ... ولا لقضاء حمه الله مدفع
ولما عصانا صبرنا حين بينه ... وعادت شؤون العين سلًا تهمع
صبرنا احتساباً ثم قلنا تأسياً ... على لوعةٍ إنا إلى الله نرجع
سقى الله قبراً ضم يحيى سحائباً ... من الجود فيه الجود والعفو ممرع
ولا زال في روض من اللطف ناضر ... يقر به عين وتلتذ مسمع
وجار له في شفاعة أحمد ... نَبِيُّ الهدى فهو الشفيع المشفع
عليه صلاة الله ما هبت الصبا ... وما زال نور النجم في الأفق يلمع
* * *