وكل هؤلاء من أئمتنا المختلف فيهم والمرجح منهم إلا القاضي ابن أبي الطيب الباقلاني فإنه مالكي على ما نص عليه جماعة من العلماء ومنهم الحافظ أبو سعد ابن السمعاني وغيره، وبعضهم أنه شافعي والله أعلم.
قلت: والذي يظهر أن المبعوث في الثامنة الشيخ صاحب الترجمة، وقد صرح بذلك جماعة منهم المحدث ناظم هذه القصيدة، وقد مات قبل الشيخ بمدة قبل انقضاء القرن وكذلك غيره كما وقفت عليه من كلام أئمة هذا الشأن والعلامة المختصة موجودة فيه فإنه رحمه الله كان رأس علماء هذا القرن كما أن الشافعي وابن سريج والغزالي ومن ذكرناه قبل، كل منهم تأخر إلى أول القرن الذي يليه، وهذا من العلامة المذكورة من الشارع وإليها الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "على رأس كل مائة عام" الحديث المتقدم، وأيضاً فهو المشار إليه من بين أقرانه، لا ينكر هذا إلا جاهل بأيام الناس أو جاحد.
قال شيخنا حافظ عصره قاضي القضاة ابن حجر في ترجمة الشيخ: وشهد جمعٌ جمٌّ أنه العالم الذي على رأس القرن.
وممن رأيت خَطَّه بذلك في حقه الحافظ أبو الفضل ابن العراقي، بعد أن كان يصرح قديماً أن الأمر قد اقترب وانقضى ذلك، فلما انسلخ القرن ودخل القرن الآخر وصادف الشهرة التي حصلت للشيخ جزم في حقه بذلك -رحمهما الله تعالى- قلت: ويكفي الشيخ شهادة حافظ الإسلام في زمنه وحده له بذلك، لا سيما وقد ذكرنا جماعة ممن شهد له بذلك، فلا ريب فيه والله أعلم.
ورئيت له منامات صالحة بعد موته، وظهر له ومنه كشف في حياته، فمن الأول قال ولده شيخنا شيخ الإسلام جلال الدين: أخبرني صاحبنا العلامة جمال الدين السفردي أن الشيخ شهاب الدين ابن الخياط المقرئ العالم في ليلة الجمعة سادس عشر ذي الحجة رأى أن الشيخ جالس بمدرسته وهي مبيضة بياضاً حسناً إلى الغاية وولده القاضي جلال الدين إلى جانبه وهي مُكْتَسِيَة حصراً عيدواني من أحسن ما يكون والشيخ يتكلم بصوت جهوري على العادة، والشيخ شهاب الدين، قال شخص بجانبه: الشيخ قد مات، فقال له: أما علمت أن العلماء أحياء.