محدثاً فقيهاً ديِّناً ورعاً ولّي قضاء القضاة على مذهبه بمكة المشرفة والخطابة بها وشغل بها الطلبة وأفتى وخرّج وصار عالم الحجاز في زمنه، واجتمعت به في حجتي سنة ست عشرة وثمان مائة وأقام للناس الحج تلك السنة وخطب الناس بمسجد نمره وسمعت خطبته ذلك اليوم وبمكة وكان خطيباً بليغاً وله نظم جيد ومنه قصيدته التي مدح فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي هذه:
قلب المحب عن العذال مشغول ... فليس ينفع فيه القال والقيل
كيف السلو وأهل الحفظ قد نقلوا ... حديث أهل الهوى ما فيه معلول
وجدى مسلسله قد صح متصلا ... بالحسن متصف يرويه مقبول
والجسم مضطرب حل السقام به ... والدمع مرسله من دونه النيل
والقلب أضعفه قطع الوصال كما ... قد أوقف النوم تجريح وتعديل
يا سادة درجوا مشهور مسندهم ... لا تعضلوا بشذوذ فيه مجهول
ففي فؤادي من حبي لكم جمل ... لها بمطلق دمعي كم تفاصيل
هل عائد من أحبائي وهل صلة ... ليرجع الصب عنهم وهو موصول
إن ميزوني. بعطف فهو نعتهم ... وإن هم حفظوا رفعي فحمول
هم عرفوني وكان الحال نكرني ... فكيف أصرف وجدي وهو معلول
بسيط حبي فيهم وافر وكذا ... سريع دمعي على الخدين مطلول
وكامل الشوق لا ينفك عن رحل ... طويله لمديد القطع مشكول
ما غير البعد عهدي عن محبتهم ... وإن قلبي على التذكار مجبول
والله ما اكتحلت عيني بغيرهم ... هذا وكم بيننا عن حبهم ميل
ولم أذق وسناً من بعد بعدهم ... وكيف والجفن بالتسهيد مكحول
تعليق فضلهم تمت نهايته ... وحاصل الصبر في التحقيق محصول
لإن أتاني بتقريب الوصال لهم ... مهذب فقراه اليوم تسهيل
أو شاهدت مقلتي أطلال ربعهم ... فليهنني فيه تمريغ وتقبيل
بالله يا صاحبي قف لي بسفح قبا ... ولا توقف فعقل ثم معقول