كُلُّ عُضْوٍ مِنِّي عَلَى هَذِهِ الْمِشْيَةِ حَتَّى تَعَلَّمْتُهَا.
وَرَأَى مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ وَلَدَهُ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ فَقَالَ لَهُ: أَتَدْرِي مَا أَنْتَ؟ أَمَّا أُمُّك فَاشْتَرَيْتُهَا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَأَمَّا أَبُوك فَلَا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ مِثْلَهُ.
وَرَأَى مُطَرِّفٌ الْمُهَلَّبَ يَتَبَخْتَرُ فِي جُبَّةِ خَزٍّ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إنَّ هَذِهِ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ لَهُ الْمُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: بَلَى أَعْرِفُك، أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ وَآخِرُك جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِلُ الْعَذِرَةَ، فَتَرَكَ الْمُهَلَّبُ مِشْيَتَهُ تِلْكَ.
تَنْبِيهَاتٌ: مِنْهَا: عَدُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: الْكَبِيرَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ، الْكِبْرُ وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ وَالْعُجْبُ وَالتِّيهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ اللِّبَاسِ بَسْطٌ فِيهِ، وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِبَعْضِ مَا مَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» ، وَحَدِيثِ الْخَسْفِ بِالْمُتَبَخْتِرِ، وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ فِي قَوْلِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} [النور: ٣١] إنْ فَعَلَتْهُ تَبَرُّجًا وَتَعَرُّضًا لِلرِّجَالِ حَرُمَ، وَكَذَا مَنْ ضَرَبَ بِنَعْلِهِ مِنْ الرِّجَالِ عُجْبًا حَرُمَ لِأَنَّ الْعُجْبَ كَبِيرَةٌ.
وَمِنْهَا: الْكِبْرُ إمَّا عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُوَ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكِبْرِ. كَتَكَبُّرِ فِرْعَوْنَ وَنُمْرُودَ حَيْثُ اسْتَنْكَفَا أَنْ يَكُونَا عَبْدَيْنِ لَهُ تَعَالَى وَادَّعَيَا الرُّبُوبِيَّةَ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠] أَيْ صَاغِرِينَ.
{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ} [النساء: ١٧٢] الْآيَةَ، وَإِمَّا عَلَى رَسُولِهِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الِانْقِيَادِ لَهُ تَكَبُّرًا جَهْلًا وَعِنَادًا كَمَا حَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ كُفَّارِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ، وَإِمَّا عَلَى الْعِبَادِ بِأَنْ يَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَحْتَقِرَ غَيْرَهُ وَيَزْدَرِيَهُ فَيَأْبَى عَلَى الِانْقِيَادِ لَهُ أَوْ يَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ وَيَأْنَفَ مِنْ مُسَاوَاتِهِ، وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ عَظِيمٌ إثْمُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالْعَظَمَةَ إنَّمَا يَلِيقَانِ بِالْمَلِكِ الْقَادِرِ الْقَوِيِّ الْمَتِينِ دُونَ الْعَبْدِ الْعَاجِزِ الضَّعِيفِ، فَتَكَبُّرُهُ فِيهِ مُنَازَعَةٌ لِلَّهِ فِي صِفَةٍ لَا تَلِيقُ إلَّا بِجَلَالِهِ، فَهُوَ كَعَبْدٍ أَخَذَ تَاجَ مَلِكٍ وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ فَمَا أَعْظَمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَقْتِ وَأَقْرَبَ اسْتِعْجَالَهُ لِلْخِزْيِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى كَمَا مَرَّ فِي أَحَادِيثَ: إنَّ مَنْ نَازَعَهُ الْعَظَمَةَ وَالْكِبْرِيَاءَ أَهْلَكَهُ، أَيْ لِأَنَّهُمَا مِنْ صِفَاتِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ تَعَالَى، فَالْمُنَازِعُ فِيهِمَا مُنَازِعٌ فِي بَعْضِ صِفَاتِهِ تَعَالَى؛ وَأَيْضًا فَالتَّكَبُّرُ عَلَى عِبَادِهِ لَا يَلِيقُ إلَّا بِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -، فَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ إذْ مَنْ اسْتَذَلَّ خَوَاصَّ غِلْمَانِ الْمَلِكِ مُنَازِعٌ لَهُ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ قُبْحَ مَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَمِنْ لَازِمِ هَذَا الْكِبْرِ بِنَوْعَيْهِ مُخَالَفَةُ أَوَامِرِ الْحَقِّ، لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ - وَمِنْهُ الْمُتَجَادِلُونَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute