آخَرَ يَلِيقُ بِهِ وَذَلِكَ لَا آخِرَ لَهُ، فَيَقَعُ فِي هَاوِيَةٍ لَا آخِرَ لَهَا إلَّا قَعْرُ جَهَنَّمَ، وَلَمَّا ضَجِرَتْ شَيَاطِينُ إبْلِيسَ مِنْ عَدَمِ ظَفَرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بِشَيْءٍ وَشَكَوْا إلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: رُوَيْدًا عَسَى تُفْتَحُ لَهُمْ الدُّنْيَا فَتُصِيبُوا حَاجَتَكُمْ مِنْهُمْ.
وَمِنْهَا: الْبُخْلُ وَخَوْفُ الْفَقْرِ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ التَّصَدُّقِ وَالْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ وَيَأْمُرُ بِالْإِمْسَاكِ وَالتَّقْتِيرِ وَالْكَنْزِ، وَعَذَابُ اللَّهِ الْأَلِيمُ هُوَ الْمَوْعِدُ لِلْكَانِزِينَ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لِلشَّيْطَانِ سِلَاحٌ مِثْلُ خَوْفِ الْفَقْرِ، فَإِذَا قَبِلَ مِنْهُ أَخَذَ فِي الْبَاطِلِ وَتَكَلَّمَ بِالْهَوَى وَظَنَّ بِرَبِّهِ السُّوءَ. وَمِنْ آفَاتِ الْبُخْلِ: الْحِرْصُ عَلَى مُلَازَمَةِ الْأَسْوَاقِ لِجَمْعِ الْمَالِ وَهِيَ مُعَشَّشُ الشَّيْطَانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَمَّا نَزَلَ إبْلِيسُ إلَى الْأَرْضِ قَالَ: يَا رَبِّ اجْعَلْ لِي بَيْتًا. قَالَ: الْحَمَّامُ: قَالَ: اجْعَلْ لِي مَجْلِسًا. قَالَ: الْأَسْوَاقُ. قَالَ: اجْعَلْ لِي مُؤَذِّنًا. قَالَ: الْمَزَامِيرُ. قَالَ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا. قَالَ: مَا لَا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ: اجْعَلْ لِي قُرْآنًا. قَالَ: الشِّعْرُ. قَالَ: اجْعَلْ لِي حَدِيثًا. قَالَ: الْكَذِبُ. قَالَ: اجْعَلْ لِي مَصَائِدَ. قَالَ: النِّسَاءُ» .
وَمِنْهَا: التَّعَصُّبُ لِلْمَذَاهِبِ وَالْأَهْوَاءِ، وَالْحِقْدُ عَلَى الْخُصُومِ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الِازْدِرَاءِ وَالِاحْتِقَارِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُهْلِكُ الْعِبَادَ وَالْعُلَمَاءَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالطَّعْنِ فِي النَّاسِ وَذِكْرِ نَقَائِصِهِمْ مِمَّا جُبِلَ عَلَيْهِمْ الطَّبْعُ، فَإِذَا خَيَّلَ الشَّيْطَانُ إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ زَادَ فِيهِ وَاسْتَكْثَرَ وَحَلَا لَهُ وَفَرِحَ بِهِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَسْعَى فِي الدِّينِ وَمَا هُوَ إلَّا سَاعٍ فِي اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ دُونَ اتِّبَاعِ الْمُتَعَصَّبِ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَوْ اعْتَنَى بِصَلَاحِ نَفْسِهِ وَكَانَ عَلَى نَحْوِ أَخْلَاقِ مَنْ تَعَصَّبَ لَهُ لَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى لَهُ وَالْأَحْرَى بِهِ، وَظَنُّ أَنَّ التَّعَصُّبَ لَهُ بِنَقْصِ النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ بِحُبِّهِ إلَيْهِ كَاذِبٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَتَعَصَّبْ لِنَفْسِهِ وَعَفَا عَمَّنْ سَفِهَ عَلَيْهِ فَاتِّبَاعُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ، وَكُلُّ مَنْ تَعَصَّبَ لِإِمَامٍ وَلَمْ يَسِرْ عَلَى سِيرَتِهِ فَذَلِكَ الْإِمَامُ هُوَ خَصْمُهُ وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُوَبِّخِينَ لَهُ، وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنْهُ: اعْمَلِي فَإِنِّي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا» . فَعَلَيْكَ أَنْ تُصْلِحَ بَاطِنَك وَظَاهِرَك، وَلَا تَشْتَغِلْ بِغَيْرِك إلَّا حَيْثُ كَلَّفَك الشَّرْعُ بِذَلِكَ، كَأَنْ تَأْمُرَ بِمَعْرُوفٍ وَتَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ بَعْدَ اسْتِيفَائِك لِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَمِنْهَا: حَمْلُ الْعَوَامّ وَمَنْ لَمْ يُمَارِسْ الْعُلُومَ عَلَى التَّفَكُّرِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute