وَفِي أُمُورٍ لَا تَبْلُغُهَا عُقُولُهُمْ وَهَذَا مَضِلَّةٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَتَشَكَّكُونَ بِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، بَلْ رُبَّمَا تَخَيَّلُوا فِي اللَّهِ - تَعَالَى - مَا هُوَ مُتَعَالٍ عَنْهُ فَيَصِيرُ بِهِ كَافِرًا أَوْ مُبْتَدِعًا وَهُوَ بِهِ فَرِحٌ مَسْرُورٌ لِغَلَبَةِ حُمْقِهِ وَقِلَّةِ عَقْلِهِ، وَأَشَدُّ النَّاسِ حَمَاقَةً أَقْوَاهُمْ اعْتِقَادًا فِي نَفْسِهِ، وَأَثْبَتُهُمْ عَقْلًا أَشَدُّهُمْ اتِّهَامًا لِنَفْسِهِ وَظَنِّهِ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى السُّؤَالِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ.
وَمِنْهَا: سُوءُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: ١٢] وَمَنْ حَكَمَ بِشَرٍّ عَلَى غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ حَمَلَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى احْتِقَارِهِ وَعَدَمِ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَالْتَوَانِي فِي إكْرَامِهِ، وَإِطَالَةِ اللِّسَانِ فِي عِرْضِهِ وَكُلُّ هَذِهِ مُهْلِكَاتٌ. وَقَدْ «قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ أَبْصَرَهُ يُكَلِّمُ زَوْجَتَهُ صَفِيَّةَ: إنَّهَا أُمُّكُمَا فَتَطَوَّرَا لِذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا» فَأَشْفَقَ عَلَيْهِمَا فَحَرَسَهُمَا وَعَلَى أُمَّتِهِ فَعَلَّمَهُمْ طَرِيقَ الِاحْتِرَازِ مِنْ التُّهْمَةِ حَتَّى لَا يَتَسَاهَلَ الْعَالِمُ الْوَرِعُ فِي أَحْوَالِهِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِ إلَّا الْخَيْرُ إعْجَابًا مِنْهُ بِنَفْسِهِ، وَهِيَ زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ؛ إذْ أَوْرَعُ النَّاسِ وَأَتْقَاهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُنْقِصٍ وَمُبْغِضٍ، فَتَعَيَّنَ الِاحْتِرَازُ عَنْ تُهْمَةِ الْأَعْدَاءِ وَالْأَشْرَارِ فَإِنَّهُمْ لَا يَظُنُّونَ بِالنَّاسِ كُلِّهِمْ إلَّا الشَّرَّ، وَكُلُّ مَنْ رَأَيْتَهُ سَيِّئَ الظَّنِّ بِالنَّاسِ طَالِبًا لِإِظْهَارِ مَعَايِبِهِمْ. فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ لِخُبْثِ بَاطِنِهِ وَسُوءِ طَوِيَّتِهِ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَطْلُبُ الْمَعَاذِيرَ لِسَلَامَةِ بَاطِنِهِ، وَالْمُنَافِقُ يَطْلُبُ الْعُيُوبَ لِخُبْثِ بَاطِنِهِ، فَهَذِهِ بَعْضُ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ إلَى الْقَلْبِ وَفِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى بَاقِيهَا.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَلَيْسَ فِي الْآدَمِيِّ صِفَةٌ مَذْمُومَةٌ إلَّا وَهِيَ سِلَاحُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَسْتَعِينُ عَلَى إضْلَالِهِ، وَإِغْوَائِهِ فَالْجَأْ إلَى اللَّهِ وَفِرَّ إلَيْهِ مِنْ مَكَائِدِهِ لَعَلَّ أَنْ يُنْجِيَك مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ، وَاِتَّخِذْ الذِّكْرَ سَمِيرًا وَتَذَكَّرْ الْآخِرَةَ مُعِينًا وَظَهِيرًا، وَدُمْ عَلَى ذَلِكَ تُحْفَظُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ سَائِرِ تِلْكَ الْمَهَالِكِ.
وَمِنْهَا: إذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرْنَا وَاتَّضَحَ مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَك عَظِيمَ ضَرَرِ أَكْثَرِ تِلْكَ الْكَبَائِرِ الَّتِي سَرَدْنَاهَا عَنْ ذَلِكَ الْإِمَامِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ تَفَرُّدِهِ بَلْ أَخَذَهُ مِنْ كَلِمَاتِ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ، فَاحْذَرْ أَنْ يَكُونَ بِقَلْبِك أَوْ بِبَاطِنِك شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْكَبَائِرِ فَإِنَّهَا تُفْسِدُ مِنْك الْبَاطِنَ بَلْ وَالظَّاهِرَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْكَبَائِرِ يَرْجِعُ فِعْلُهَا إلَى سُوءِ الْخُلُقِ، وَتَرْكُهَا إلَى حُسْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute