قَدْرُ مَأْكُولٍ تَنْفِرُ الْبَهَائِمُ عَنْ تَنَاوُلِهِ وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِمَّا سَبَقَ أَيْضًا مِمَّا يُحِيلُ الْأَبْدَانَ وَيَمْسَخُهَا وَيُحَلِّلُ قَوَّاهَا وَيُحَرِّقُ دِمَاءَهَا وَيُجَفِّفُ رُطُوبَتَهَا وَيُصَفِّرُ اللَّوْنَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا إمَامُ وَقْتِهِ فِي الطِّبِّ: وَتُوَلِّدُ أَفْكَارًا كَثِيرَةً رَدِيئَةً وَتُجَفِّفُ الْمَنِيَّ لِقِلَّةِ الرُّطُوبَةِ فِي الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ، أَيْ وَإِذَا قَلَّتْ رُطُوبَةُ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ كَانَتْ سَبَبًا لِحُدُوثِ أَخْطَرِ الْأَمْرَاضِ وَأَقْبَحِ الْعِلَلِ، وَمِمَّا أُنْشِدَ فِيهَا:
قُلْ لِمَنْ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ جَهْلًا ... يَا خَسِيسًا قَدْ عِشْت شَرَّ مَعِيشَةٍ
دِيَةُ الْعَقْلِ بِدُرَّةٍ فَلِمَاذَا ... يَا سَفِيهًا قَدْ بِعْتَهُ بِحَشِيشِهِ
قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنَا مَنْ جَمْعٍ يَفُوقُ حَدَّ الْحَصْرِ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ عَانَاهَا مَاتَ بِهَا فَجْأَةً وَآخَرِينَ اخْتَلَتْ عُقُولُهُمْ وَابْتُلُوا بِأَمْرَاضٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الدَّقِّ وَالسُّلِّ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَأَنَّهَا تَسْتُرُ الْعَقْلَ وَتَغْمُرُهُ، وَمِمَّا أُنْشِدَ فِيهَا أَيْضًا:
يَا مَنْ غَدَا أَكْلُ الْحَشِيشِ شِعَارَهُ ... وَغَدَا فَلَاحَ عَوَارُهُ وَخِمَارُهُ
أَعْرَضْت عَنْ سُنَنِ الْهُدَى بِزَخَارِفَ ... لَمَّا اعْتَرَضْت لِمَا أُشِيعَ ضِرَارُهُ
الْعَقْلُ يَنْهَى أَنْ تَمِيلَ إلَى الْهَوَى ... وَالشَّرْعُ يَأْمُرُ أَنْ تُبَعَّدَ دَارُهُ
فَمَنْ ارْتَدَى بِرِدَاءِ زَهْرَةِ شَهْوَةٍ ... فِيهَا بَدَا لِلنَّاظِرِينَ خَسَارُهُ
اُقْصُرْ وَتُبْ عَنْ شُرْبِهَا مُتَعَوِّذًا ... مِنْ شَرِّهَا فَهُوَ الطَّوِيلُ عِثَارُهُ
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَفِي أَكْلِهَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مَضَرَّةً دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً: مِنْهَا أَنَّهَا تُورِثُ الْفِكْرَةَ الرَّدِيئَةَ، وَتُجَفِّفُ الرُّطُوبَاتِ الْغَرِيزِيَّةِ وَتُعَرِّضُ الْبَدَنَ لِحُدُوثِ الْأَمْرَاضِ، وَتُورِثُ النِّسْيَانَ، وَتُصَدِّعُ الرَّأْسَ وَتَقْطَعُ النَّسْلَ، وَتُجَفِّفُ الْمَنِيَّ، وَتُورِثُ مَوْتَ الْفَجْأَةِ وَاخْتِلَالَ الْعَقْلِ وَفَسَادَهُ، وَالدَّقَّ، وَالسُّلَّ وَالِاسْتِسْقَاءَ، وَفَسَادَ الْفِكْرِ، وَنِسْيَانَ الذِّكْرِ، وَإِفْشَاءَ السِّرِّ، وَإِنْشَاءَ الشَّرِّ، وَذَهَابَ الْحَيَاءِ، وَكَثْرَةَ الْمِرَاءِ، وَعَدَمَ الْمُرُوءَةِ وَنَقْضَ الْمَوَدَّةِ، وَكَشْفَ الْعَوْرَةِ، وَعَدَمَ الْغَيْرَةِ، وَإِتْلَافَ الْكِيسِ، وَمُجَالَسَةَ إبْلِيسَ، وَتَرْكَ الصَّلَوَاتِ، وَالْوُقُوعَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْبَرَصَ، وَالْجُذَامَ، وَتَوَالِيَ الْأَسْقَامِ، وَالرَّعْشَةَ عَلَى الدَّوَامِ، وَثَقْبَ الْكَبِدِ، وَاحْتِرَاقَ الدَّمِ وَالْبَخَرَ، وَنَتْنَ الْفَمِ، وَفَسَادَ الْأَسْنَانِ، وَسُقُوطَ شَعْرِ الْأَجْفَانِ، وَصُفْرَةَ الْأَسْنَانِ، وَعِشَاءَ الْعَيْنِ وَالْفَشَلَ وَكَثْرَةَ النَّوْمِ وَالْكَسَلَ، وَتَجْعَلُ الْأَسَدَ كَالْعِجْلِ، وَتُعِيدُ الْعَزِيزَ ذَلِيلًا وَالصَّحِيحَ عَلِيلًا وَالشُّجَاعَ جَبَانًا وَالْكَرِيمَ مُهَانًا، إنْ أَكَلَ لَا يَشْبَعُ وَإِنْ أُعْطِيَ لَا يَقْنَعُ، وَإِنْ كُلِّمَ لَا يَسْمَعُ، تَجْعَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute