الْفَصِيحَ أَبْكَمَ وَالذَّكِيَّ أَبْلَمَ، وَتُذْهِبُ الْفَطِنَةَ، وَتُحْدِثُ الْبِطْنَةَ، وَتُورِثُ الْعُنَّةَ وَاللَّعْنَةَ وَالْبُعْدَ عَنْ الْجَنَّةِ.
وَمِنْ قَبَائِحِهَا أَنَّهَا تُنْسِي الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ الْمَوْتِ، بَلْ قِيلَ إنَّ هَذَا أَدْنَى قَبَائِحِهَا. وَهَذِهِ الْقَبَائِحُ كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْأَفْيُونِ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ، بَلْ يَزِيدُ الْأَفْيُونُ وَنَحْوُهُ بِأَنَّ فِيهِ مَسْخًا لِلْخِلْقَةِ كَمَا يُشَاهَدُ مِنْ أَحْوَالِ آكِلِيهِ وَعَجِيبٌ ثُمَّ عَجِيبٌ مِمَّنْ يُشَاهِدُ مِنْ أَحْوَالِ آكِلِيهِ تِلْكَ الْقَبَائِحَ الَّتِي هِيَ مَسْخُ الْبَدَنِ وَالْعَقْلِ وَصَيْرُورَتُهُمْ إلَى أَخَسِّ حَالَةٍ وَأَرَثِّ هَيْئَةٍ وَأَقْذَرِ وَصْفٍ. وَأَفْظَعِ مُصَابٍ لَا يَتَأَهَّلُونَ لِخِطَابٍ وَلَا يَمِيلُونَ قَطُّ إلَى صَوَابٍ وَلَا يَهْتَدُونَ إلَّا إلَى خَوَارِمِ الْمُرُوآت وَهُوَ أَذَمُّ الْكَمَالَاتِ وَفَوَاحِشُ الضَّلَالَاتِ، ثُمَّ مَعَ هَذِهِ الْعَظَائِمِ الَّتِي نُشَاهِدُهَا مِنْهُمْ يُحِبُّ الْجَاهِلُ أَنْ يَنْدَرِجَ فِي زُمْرَتِهِمْ الْخَاسِرَةِ وَفُرْقَتِهِمْ الضَّالَّةِ الْحَائِرَةِ مُتَعَامِيًا عَمَّا عَلَى وُجُوهِهِمْ مِنْ الْغَبَرَةِ وَمَا يَعْتَرِيهَا مِنْ الْقَتَرَةِ ذَلِكَ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ، فَمَنْ اتَّضَحَتْ لَهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْمَثَالِبُ وَبَانَ عِنْدَهُ مَا اشْتَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ كَثِيرِ الْمَعَايِبِ ثُمَّ نَحَا نَحْوَهُمْ وَحَذَا حَذْوَهُمْ فَهُوَ الْمَفْتُونُ الْمَغْبُونُ الَّذِي بَلَغَ الشَّيْطَانُ فِيهِ غَايَةَ أَمَلَّهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ، لِأَنَّهُ لَعَنَهُ اللَّهُ إذَا أَحَلَّ عَبْدًا فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ لَعِبَ بِهِ كَمَا يَلْعَبُ الصَّبِيُّ بِالْكُرَةِ إذْ مَا يُرِيدُ مِنْهُ حِينَئِذٍ شَيْئًا إلَّا وَسَابَقَهُ إلَى فِعْلِهِ لِأَنَّ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ آلَةُ الْكَمَالِ زَالَ عَنْ مَحَلِّهِ فَصَارَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُوَ أَضَلُّ سَبِيلًا وَمِنْ أَهْلِ النِّيرَانِ، فَبِئْسَ مَا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ مَبِيتًا وَمَقِيلًا وَأُفٍّ لِمَنْ بَاعَ نَعِيمَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِتِلْكَ الصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ، وَفَّقْنَا اللَّهُ لِطَاعَتِهِ وَحَمَانَا مِنْ مُخَالَفَتِهِ آمِينَ.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ كَالْخَمْرِ، بَلْ بَالَغَ الذَّهَبِيُّ فَجَعَلَهَا كَالْخَمْرِ فِي النَّجَاسَةِ وَالْحَدِّ وَمَالَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا قَدَّمْته عَنْ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ: وَهِيَ أَخْبَثُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُفْسِدُ الْعَقْلَ وَالْمِزَاجَ حَتَّى يَصِيرَ فِي مُتَعَاطِيهَا تَخْنِيثُ أَيْ ابْنَةٍ وَنَحْوِهَا وَدِيَاثَةٍ وَقِوَادَةٍ وَفَسَادٍ فِي الْمِزَاجِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ، وَالْخَمْرُ أَخْبَثُ مِنْ جِهَةٍ أَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ كِلَاهُمَا يَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى الْحَدِّ فِيهَا وَرَأَى أَنَّ فِيهَا التَّعْزِيرَ لِأَنَّهَا تُغَيِّرُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ طَرَبٍ كَالْبَنْجِ وَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لِلْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِيهَا كَلَامًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ آكِلُوهَا يَحْصُلُ لَهُمْ نَشْوَةٌ وَاشْتِهَاءٌ كَشُرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute