للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْنَ يَدَيْهِ صُبْرَةٌ مِنْ حَبٍّ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَك فِيهِ فَفَعَلَ فَأَحَسَّتْ يَدُهُ الشَّرِيفَةُ بِبَلَلٍ فِي بَاطِنِ تِلْكَ الصُّبْرَةِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ وَقَالَ مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَهُ مَطَرٌ، قَالَ أَفَلَا جَعَلْت الْمُبْتَلَّ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» . وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ بِطَعَامٍ وَقَدْ حَسَّنَهُ صَاحِبُهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا طَعَامٌ رَدِيءٌ جَعَلَهُ أَسْفَلَهُ، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِعْ هَذَا عَلَى حِدَةٍ وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْحَبِّ وَأَخْرَجَ مِنْهُ الْمَبْلُولَ قَالَ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا أَيْ جَعْلِك الْمُبْتَلَّ أَسْفَلَ وَالْجَافَّ فَوْقَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إنَّهُ لَطَعَامٌ وَاحِدٌ قَالَ: أَفَلَا عَزَلْت الرَّطْبَ عَلَى حِدَتِهِ وَالْيَابِسَ عَلَى حِدَتِهِ فَيَتَبَايَعُونَ مَا يَعْرِفُونَ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ غَشَّ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» ، وَسَبَقَتْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ خَلَطَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ ثُمَّ بَاعَهُ: خَلِّصْ الْمَاءَ مِنْ اللَّبَنِ، أَيْ وَلَيْسَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ كَمَا يُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحْيُوا مَا صَوَّرْتُمْ: أَيْ اُنْفُخُوا الرُّوحَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ الَّتِي كُنْتُمْ تُصَوِّرُونَهَا فِي الدُّنْيَا تَحْقِيرًا لَهُمْ وَإِذْلَالًا وَبَيَانًا لِعَجْزِهِمْ وَجُرْأَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَكَذَلِكَ مَنْ خَلَطَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ يُقَالُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: خَلِّصْ اللَّبَنَ مِنْ الْمَاءِ تَحْقِيرًا لَهُ وَفَضِيحَةً لَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ جَزَاءً عَلَى غِشِّهِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْغَشَّاشِينَ يَفْضَحُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فِي مُقَابَلَةِ غِشِّهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَلْيَتَأَمَّلْ الْغَشَّاشُونَ أَيْضًا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَبِيعُ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَ مَا فِيهِ وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بَيَّنَهُ» ، وَقَوْلُهُ: «مَنْ بَاعَ عَيْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ اللَّهِ أَوْ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ» . وَقَوْلُهُ: «الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ نَصَحَةٌ وَادُّونَ وَإِنْ بَعُدَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، وَالْفَجَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَشَشَةٌ مُتَخَاوِنُونَ وَإِنْ اقْتَرَبَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ» . وَالْأَحَادِيثُ فِي الْغِشِّ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ كَثِيرَةٌ مَرَّ مِنْهَا جُمْلَةٌ، فَمَنْ تَأَمَّلَهَا وَوَفَّقَهُ اللَّهُ لِفَهْمِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا انْكَفَّ عَنْ الْغِشِّ وَعَلِمَ عَظِيمَ قُبْحِهِ وَخَطَرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَمْحَقَ مَا حَصَّلَهُ الْغَاشُونَ بِغِشِّهِمْ، كَمَا سَبَقَ فِي قِصَّةِ الْقِرْدِ وَالثَّعْلَبِ أَنَّ اللَّهَ سَلَّطَهُمَا عَلَى غَشَّاشَيْنِ فَأَذْهَبَا جَمِيعَ مَا حَصَّلَاهُ بِالْغِشِّ بِرَمْيِهِ فِي الْبَحْرِ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ عَلِمَ أَيْضًا أَنَّ أَكْثَرَ مَا حُكِيَ فِي السُّؤَالِ مِنْ جُمْلَةِ الْغِشِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>