ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ غَيْرَهُ بِمَا يَكْرَهُهُ فَهُوَ مُغْتَابٌ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِّ الْغِيبَةِ، وَمَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ قَالَ عَنْ امْرَأَةٍ إنَّهَا قَصِيرَةٌ، وَعَنْ رَجُلٍ مَا أَعْجَزَهُ إنَّ ذَلِكَ غِيبَةٌ، قَالَ الْحَسَنُ وَذِكْرُ الْغَيْرِ غِيبَةٌ أَوْ بُهْتَانٌ أَوْ إفْكٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى -. فَالْغِيبَةُ أَنْ تَقُولَ مَا فِيهِ، وَالْبُهْتَانُ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَالْإِفْكُ أَنْ تَقُولَ مَا بَلَغَك.
وَمِنْهَا: مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْغِيبَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي غَيْبَةِ الْمُغْتَابِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَفِي الْخَادِمِ وَمِنْ الْمُهِمِّ ضَابِطُ الْغِيبَةِ هَلْ هِيَ ذِكْرُ الْمَسَاوِئِ فِي الْغِيبَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ اسْمُهَا، أَوْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغِيبَةِ وَالْحُضُورِ، وَقَدْ دَارَ هَذَا السُّؤَالُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ رَأَيْت أَبَا فُورَكٍ ذَكَرَ فِي مُشْكِلِ الْقُرْآنِ فِي تَفْسِيرِ الْحُجُرَاتِ ضَابِطًا حَسَنًا فَقَالَ: الْغِيبَةُ ذِكْرُ الْغَيْرِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ. وَكَذَا قَالَ سُلَيْمُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِ الْغِيبَةِ أَنْ تَذْكُرَ الْإِنْسَانَ مِنْ خُلُقِهِ بِسُوءٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ. انْتَهَى.
وَفِي الْمُحْكَمِ: لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ وَرَائِهِ، وَوَجَدْت بِخَطِّ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ رَوَى بِسَنَدِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا كَرِهْت أَنْ تُوَاجِهَ بِهِ أَخَاك فَهُوَ غِيبَةٌ» ، وَخَصَّصَهَا الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي تُذَمُّ شَرْعًا بِخِلَافِ نَحْوِ الزِّنَا فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اُذْكُرُوا الْفَاسِقَ بِمَا فِيهِ يَحْذَرْهُ النَّاسُ» غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ السِّتْرُ حَيْثُ لَا غَرَضَ، وَإِلَّا كَتَجْرِيحِهِ أَوْ إخْبَارِ مُخَالِطِهِ فَيَلْزَمُ بَيَانُهُ. انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَازِ فِي الْأَوَّلِ لَا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ ضَعِيفٌ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ وَقَالَ أَحْمَدُ: مُنْكَرٌ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى فَاجِرٍ مُعْلِنٍ بِفُجُورِهِ أَوْ يَأْتِي بِشَهَادَةٍ أَوْ لِمَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ حَالِهِ لِئَلَّا يَقَعَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي حَمَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَيْهِ مُتَعَيَّنٌ، وَنَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ: «لَيْسَ لِلْفَاسِقِ غِيبَةٌ» وَيَقْضِي عَلَيْهِ عُمُومُ خَبَرِ مُسْلِمٍ فِيهِ حَدُّ الْغِيبَةِ بِأَنَّهَا ذِكْرُك أَخَاك مَا يَكْرَهُ وَحَدَّهَا فِي الْإِحْيَاءِ بِمَا مَرَّ عَنْهُ، وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهَا ذِكْرُهُ بِمَا يَكْرَهُ، وَبِهِ جَاءَ الْحَدِيثُ، وَهَذَا كُلُّهُ يَرُدُّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ.
وَمِمَّا يُبِيحُ الْغِيبَةَ: أَنْ يَكُونَ مُتَجَاهِرًا بِالْفِسْقِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يُذْكَرَ بِهِ كَالْمُخَنَّثِ وَالْمَكَّاسِ وَمُصَادِرِ النَّاسِ فَلَا إثْمَ بِذِكْرِ مَا يَتَظَاهَرُ بِهِ لِلْخَبَرِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute