للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلَا غِيبَةَ لَهُ» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَاءُ إلَى الْإِنْسَانِ بِالتَّنْقِيصِ لَهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ لَمَّا أَشَارَتْ إلَى الْمَرْأَةِ أَنَّهَا قَصِيرَةٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ اغْتَبْتِيهَا قُومِي فَتَحَلَّلِيهَا» انْتَهَى كَلَامُ الْخَادِمِ مُلَخَّصًا.

وَأُخِذَ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْقَفَّالِ مِنْ قَوْلِ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ لَا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ ضَعِيفٌ بِمَرَّةٍ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَلَوْ صَحَّ لَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى حَالَةِ الْحَاجَةِ. وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ: وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَيْ فِي كَلَامِ الْقَفَّالِ لَا أَصْلَ لَهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ.

وَسُئِلَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ غِيبَةِ الْكَافِرِ. فَقَالَ: هِيَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مَحْذُورَةٌ لِثَلَاثِ عِلَلٍ: الْإِيذَاءُ وَتَنْقِيصُ خَلْقِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَتَضْيِيعُ الْوَقْتِ بِمَا لَا يُعْنِي. قَالَ: وَالْأُولَى تَقْتَضِي التَّحْرِيمُ، وَالثَّانِيَةُ الْكَرَاهَةُ، وَالثَّالِثَةُ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَكَالْمُسْلِمِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْإِيذَاءِ،؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَصَمَ عِرْضَهُ وَدَمَهُ وَمَالَهُ. قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَالْأُولَى هِيَ الصَّوَابُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ سَمَّعَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَلَهُ النَّارُ» ، وَمَعْنَى سَمَّعَهُ أَسْمَعَهُ بِمَا يُؤْذِيهِ، وَلَا كَلَامَ بَعْدَ هَذَا أَيْ لِظُهُورِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْحُرْمَةِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَى الْأُولَى وَيُكْرَهُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ فَإِنْ كَفَرَ فَكَالْحَرْبِيِّ وَإِلَّا فَكَالْمُسْلِمِ، وَأَمَّا ذِكْرُهُ بِبِدْعَتِهِ فَلَيْسَ مَكْرُوهًا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ أَخَاك مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَوْ سَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، أَوْ مَنْ أَخْرَجَتْهُ بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا إلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ لَا غِيبَةَ لَهُ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهَذَا قَدْ يُنَازِعُ فِيهِ مَا قَالُوهُ فِي السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَنَحْوِهِ. اهـ وَالْمُنَازَعَةُ وَاضِحَةٌ. فَالْوَجْهُ بَلْ الصَّوَابُ تَحْرِيمُ غِيبَةِ الذِّمِّيِّ كَمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا. وَمِنْهَا: قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ حَدِّهِمْ السَّابِقِ لِلْغِيبَةِ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِاللِّسَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهَا الْإِيذَاءُ بِتَفْهِيمِ الْغَيْرِ نُقْصَانَ الْمُغْتَابِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ حَيْثُ أَفْهَمْت الْغَيْرَ مَا يَكْرَهُهُ الْمُغْتَابُ وَلَوْ بِالتَّعْرِيضِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الْإِشَارَةِ أَوْ الْإِيمَاءِ أَوْ الْغَمْزِ أَوْ الرَّمْزِ أَوْ الْكِتَابَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ بِلَا خَوْفٍ وَكَذَا سَائِرُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى فَهْمِ الْمَقْصُودِ كَأَنْ يَمْشِيَ مِشْيَتَهُ فَهُوَ غِيبَةٌ بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الْغِيبَةِ كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّصْوِيرِ وَالتَّفْهِيمِ وَأَنْكَى لِلْقَلْبِ. وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ شَخْصًا مُعَيَّنًا وَرَدُّ كَلَامِهِ غِيبَةً إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ أَحَدُ الْأَسْبَابِ السِّتَّةِ الْمُبِيحَةِ لَهَا وَقَدْ مَرَّتْ، وَكَذَا مِنْهَا قَوْلُك فَعَلَ كَذَا بَعْضُ مَنْ مَرَّ بِنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>