للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِطْلَاقِهِ، بَلْ قَاعِدَةُ الْعَرَبِ الْمُقَرَّرَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَالْوَصْفَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ تَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهَا، بَلْ وَإِلَى جَمِيعِ مَا تَأَخَّرَ مِنْهَا، بَلْ قَالَ جَمْعٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ لَوْ تَوَسَّطَتْ رَجَعَتْ إلَى الْكُلِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا مُتَأَخِّرَةٌ وَلِمَا بَعْدَهَا مُتَقَدِّمَةٌ، فَكَانَ الْقِيَاسُ فِي الْآيَةِ عَوْدَهُ إلَى الْجُمَلِ الثَّلَاثَةِ.

لَكِنْ مَنَعَ مِنْ عَوْدِهِ إلَى الْأُولَى وَهِيَ {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: ٤] مَانِعٌ هُوَ عَدَمُ سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ بِالتَّوْبَةِ، فَبَقِيَ رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ، وَهُمَا رَدُّ الشَّهَادَةِ وَالْفِسْقُ، وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ الْمُغِيرَةِ السَّابِقَةِ: مَنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَأَكْذَبَ شِبْلٌ وَنَافِعٌ أَنْفُسَهُمَا فَكَانَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ بِرُجُوعِهِ إلَى الْأُولَى أَيْضًا. فَقَالَ: إذَا تَابَ الْقَاذِفُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ.

تَنْبِيهٌ: مَنْ قَذَفَ آخَرَ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ لَزِمَهُ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ وَيُخْبِرَهُ بِهِ لِيُطَالِبَ بِهِ إنْ شَاءَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَالٌ عَلَى آخَرَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ إذَا رُمِيَ رَجُلٌ بِزِنًا أَنْ يُرْسِلَ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ.

وقَوْله تَعَالَى: {الْغَافِلاتِ} [النور: ٢٣] أَيْ عَنْ الْفَاحِشَةِ بِأَنْ لَا يَقَعَ مِثْلُهَا مِنْهُنَّ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مَزِيدِ عِفَّتِهِنَّ وَطَهَارَتِهِنَّ، وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -.

قَالَتْ: «رُمِيت وَأَنَا غَافِلَةٌ وَإِنَّمَا بَلَغَنِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدِي إذْ أُوحِيَ إلَيْهِ فَقَالَ أَبْشِرِي وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ» وَقِيلَ هِيَ خَاصَّةٌ بِهَا، وَقِيلَ بِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ ذُكِرَتْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى دُونَ هَذِهِ فَلَا تَوْبَةَ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: ٢٣] وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ لِمُنَافِقٍ بَلْ كَافِرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} [الأحزاب: ٦١] وَأَيْضًا فَشَهَادَةُ الْأَلْسِنَةِ وَغَيْرِهَا تَكُونُ لِلْمُنَافِقِ وَالْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى، {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت: ١٩] أَيْ يُجْمَعُونَ {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ} [فصلت: ٢٠] الْآيَةَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ الْقَائِلُونَ بِالْعُمُومِ بِأَنَّ هَذَا الْعِقَابَ كُلَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِقَاذِفِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِنَّ، إلَّا أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُسْتَقِرَّةِ إذْ الذَّنْبُ كُفْرًا كَانَ أَوْ فِسْقًا يُغْفَرُ بِالتَّوْبَةِ.

وقَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ} [النور: ٢٤] إلَخْ. هَذَا قَبْلَ أَنْ يُخْتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ الْمَذْكُورُ فِي يس فِي قَوْله تَعَالَى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} [يس: ٦٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>