للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَإِنِّي شَقَقْت الرَّحِمَ مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْته وَمَنْ بَتَكَهَا بَتَكْتُهُ» ، الْحَجْنَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ: صِنَّارَةُ الْمِغْزَلِ: أَيْ الْحَدِيدَةُ الْعَقْفَاءُ الَّتِي يُعَلَّقُ بِهَا الْخَيْطُ ثُمَّ يُفْتَلُ الْغَزْلُ، وَالْبَتْكُ: الْقَطْعُ. وَالْبَزَّارُ: «ثَلَاثٌ مُتَعَلِّقَاتٌ بِالْعَرْشِ: الرَّحِمُ تَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي بِك فَلَا أُقْطَعُ، وَالْأَمَانَةُ تَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي بِك فَلَا أُخَانُ، وَالنِّعْمَةُ تَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي بِك فَلَا أُكْفَرُ» .

وَالْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ: «الطَّابَعُ مُعَلَّقٌ بِقَائِمَةِ الْعَرْشِ فَإِذَا اشْتَكَتْ الرَّحِمُ وَعُمِلَ بِالْمَعَاصِي وَاجْتُرِئَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بَعَثَ اللَّهُ الطَّابَعَ فَيَطْبَعُ عَلَى قَلْبِهِ فَلَا يَعْقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا» .

تَنْبِيهٌ: عَدُّ هَذَا هُوَ صَرِيحُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الصَّحِيحَةِ بَلْ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّةِ كَثِيرٍ مِنْهَا، وَبِهَذَا يُرَدُّ تَوَقُّفُ الرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الشَّامِلِ إنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَكَذَا تَقْرِيرُ النَّوَوِيِّ لَهُ عَلَى تَوَقُّفِهِ هَذَا فَإِنَّهُ اعْتَرَضَ تَوَقُّفَهُ فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يَعْتَرِضْ تَوَقُّفَهُ هَذَا وَهُوَ أَجْدَرُ وَأَحَقُّ بِالرَّدِّ، وَكَيْفَ يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ مَعَ تَصْرِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَمَعَ مَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ لَعْنِ فَاعِلِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا فِي أَوَّلِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى قَطِيعَةِ اللَّهِ لِقَاطِعِ الرَّحِمِ، وَقَوْلُهُ: إنَّ الْقَاطِعَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّهُ مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجَّلَ عُقُوبَتُهُ مِنْ ذَنْبِهِ، وَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ عَمَلُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ، فَحِينَئِذٍ لَا مَسَاغَ لِلتَّوَقُّفِ.

ثُمَّ رَأَيْت الْجَلَالَ الْبُلْقِينِيَّ قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي التَّوَقُّفُ فِي ذَلِكَ مَعَ النَّصِّ فِي الْقُرْآنِ عَلَى لَعْنَةِ فَاعِلِهِ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الْبَاقِرِ أَنَّ أَبَاهُ زَيْنَ الْعَابِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: لَا تُصَاحِبْ قَاطِعَ رَحِمٍ فَإِنِّي وَجَدْته مَلْعُونًا فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ وَذَكَرَ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ السَّابِقَةَ، آيَةَ الْقِتَالِ وَاللَّعْنُ فِيهَا صَرِيحٌ، وَالرَّعْدَ وَاللَّعْنُ فِيهَا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ يَشْمَلُ الْأَرْحَامَ وَغَيْرَهَا، وَالْبَقَرَةَ وَاللَّعْنُ فِيهَا بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ إذْ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْخُسْرَانِ، وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ عَلَى وُجُوبِ صِلَةِ الرَّحِمِ وَحُرْمَةِ قَطْعِهَا.

ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ مَاذَا؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ؛ فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الْوَلِيُّ بْنُ الْعِرَاقِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِالْإِسَاءَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَنْبَغِي اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى إلَى تَرْكِ الْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ آمِرَةٌ بِالصِّلَةِ نَاهِيَةٌ عَنْ الْقَطِيعَةِ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَالصِّلَةُ إيصَالُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ لِمَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ فَالْقَطِيعَةُ ضِدُّهَا وَهِيَ تَرْكُ الْإِحْسَانِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>