للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَكْفِي تَشَابُهُهُمَا فِي أَمْرٍ مَا كَالْحَضَانَةِ تَثْبُتُ لِلْخَالَةِ كَمَا تَثْبُتُ لِلْأُمِّ وَكَذَا الْمَحْرَمِيَّةُ وَتَأَكُّدُ الرِّعَايَةِ وَكَالْإِكْرَامِ فِي الْعَمِّ وَالْمَحْرَمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا ذُكِرَ. وَأَمَّا إلْحَاقُهُمَا بِهِمَا فِي أَنَّ عُقُوقَهُمَا كَعُقُوقِهِمَا فَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مُنَافٍ لِكَلَامِ أَئِمَّتِنَا فَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ، بَلْ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ اخْتَصَّا مِنْ الرِّعَايَةِ وَالِاحْتِرَامِ وَالطَّوَاعِيَةِ وَالْإِحْسَانِ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ جِدًّا وَغَايَةٍ رَفِيعَةٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي عُقُوقِهِمَا وَكَوْنِهِ فِسْقًا بِمَا لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي عُقُوقِ غَيْرِهِمَا.

فَإِنْ قُلْت: يُؤَيِّدُ التَّفْسِيرَ السَّابِقَ الْمُقَابِلَ لِكَلَامِ أَبِي زُرْعَةَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» أَيْ قَاطِعُ رَحِمٍ، فَمَنْ قَطَعَ أَقَارِبَهُ الضُّعَفَاءَ وَهَجَرَهُمْ وَتَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَصِلْهُمْ بِبِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَكَانَ غَنِيًّا وَهُمْ فُقَرَاءُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ مَحْرُومٌ دُخُولَ الْجَنَّةِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيُحْسِنَ إلَيْهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ ضُعَفَاءُ وَلَمْ يُحْسِنْ إلَيْهِمْ وَيَصْرِفْ صَدَقَتَهُ إلَى غَيْرِهِمْ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ صَدَقَتَهُ وَلَا يَنْظُرْ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَصَلَهُمْ بِزِيَارَتِهِمْ وَالتَّفَقُّدِ لِأَحْوَالِهِمْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ» . اهـ.

قُلْت: مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ الْهَجْرِ وَالتَّكَبُّرِ عَلَيْهِمْ وَاضِحٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِلْهُمْ إلَخْ فَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ مَمْنُوعٌ أَيْضًا وَكَفَى فِي مَنْعِهِ وَرَدِّهِ تَصْرِيحُ أَئِمَّتِنَا بِأَنَّ الْإِنْفَاقَ إنَّمَا يَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا دُونَ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ، وَبِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْأَرْحَامِ سُنَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ فَلَوْ كَانَ تَرْكُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ بِالْمَالِ كَبِيرَةً لَمْ يَسَعْ إطْلَاقَ الْأَئِمَّةِ نَدْبُ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَتَعْبِيرُهُمْ بِالْقَطْعِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ ثَمَّ شَيْءٌ فَقُطِعَ، وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا قَدَّمْته وَقَرَّرْته فِي مَعْنَى قَطْعِ الرَّحِمِ مُخَالِفًا فِيهِ كُلًّا مِنْ تَفْسِيرِ أَبِي زُرْعَةَ وَمُقَابِلِهِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ سَنَدِهِمَا، نَعَمْ يَنْبَغِي لِلْمُوَفِّقِ أَنْ يُرَاعِيَ هَذَا الْقَوْلَ وَأَنْ يُبَالِغَ فِيمَا قُدِّرَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِحْسَانِ إلَى أَقَارِبِهِ لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الْمُؤَكَّدَةِ فِي ذَلِكَ وَالدَّالَّةِ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِهِ وَرِفْعَةِ مَحَلِّهِ.

وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا غَنِيًّا حَجَّ فَأَوْدَعَ آخَرَ مَوْسُومًا بِالْأَمَانَةِ وَالصَّلَاحِ أَلْفَ دِينَارٍ حَتَّى يَعُودَ مِنْ عَرَفَةَ، فَلَمَّا عَادَ وَجَدَهُ قَدْ مَاتَ، فَسَأَلَ ذُرِّيَّتَهُ عَنْ الْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>