تَعَالَى فَإِذَا هُمَا رَجُلٌ وَصَبِيٌّ، فَقَالَ لَهُمَا عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا خَبَرُكُمَا وَمَا أَمْرُكُمَا؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رُوحَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ فِي الدُّنْيَا مُبْتَلًى بِحُبِّ هَذَا الصَّبِيِّ فَحَمَلَتْنِي الشَّهْوَةُ أَنْ فَعَلْتُ بِهِ الْفَاحِشَةَ فَلَمَّا مِتُّ وَمَاتَ الصَّبِيُّ صَيَّرَ اللَّهُ الصَّبِيَّ نَارًا يُحْرِقُنِي مَرَّةً وَصَيَّرَنِي نَارًا أُحْرِقُهُ أُخْرَى فَهَذَا عَذَابُنَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِهِ وَنَسْأَلُهُ الْعَافِيَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَرْضَاتِهِ.
تَنْبِيهٌ ثَانٍ: مَرَّ الْحَدِيثُ فِي مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ أَنَّهَا تُقْتَلُ مَعَهُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ عَارَضَ هَذَا الْحَدِيثُ «نَهْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ» وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ فَلَا تُقْتَلُ غَيْرُ الْمَأْكُولَةِ وَلَا تُذْبَحُ الْمَأْكُولَةُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ. وَمَرَّ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ قَتْلُ اللَّائِطِ وَالْمُلُوطِ بِهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ وَاَلَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ» . قَالَ الْبَغَوِيّ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ حَدَّ الْفَاعِلِ حَدُّ الزِّنَا وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا يُجْلَدُ مِائَةً، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَيُحْكَى أَيْضًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَعَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ اللُّوطِيَّ يُرْجَمُ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ إبْرَاهِيمَ يَعْنِي النَّخَعِيّ قَالَ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُرْجَمَ مَرَّتَيْنِ لَرُجِمَ اللُّوطِيُّ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. اهـ.
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: حَرَّقَ اللُّوطِيَّةَ بِالنَّارِ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا فِي بَعْضِ ضَوَاحِي الْعَرَبِ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَجَمَعَ لِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ إنَّ هَذَا ذَنْبٌ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أُمَّةٌ إلَّا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ فَفَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ أَرَى أَنْ نُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحَرَّقَ بِالنَّارِ، فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُحَرَّقَ بِالنَّارِ، فَحَرَّقَهُ خَالِدٌ. وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute