أَعْجَبُ مِنْهُ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ مَنْ خَبُثَتْ نُفُوسُهُمْ وَفَسَدَتْ عُقُولُهُمْ وَأَدْيَانُهُمْ وَلَمْ يَتَقَيَّدُوا بِالشَّرْعِيَّاتِ يُزَيِّنُ الشَّيْطَانُ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يُوقِعَهُمْ فِيمَا هُوَ أَقْبَحُ مِنْهُ كَمَا هُوَ دَأْبُ اللَّعِينِ مَعَ مُسَاخَرَةِ الْقَاصِرِينَ الْأَغْنِيَاءَ الْجَاهِلِينَ، وَمَنْ فَتَحَ عَلَى نَفْسِهِ أَدْنَى مَغْمَزٍ لِلشَّيْطَانِ اسْتَهَانَ بِهِ وَاسْتَرْذَلَهُ وَاِتَّخَذَهُ ضُحْكَةً يَلْعَبُ بِهِ لَعِبَ الصِّبْيَانِ بِالْكُرَةِ؛ فَعَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَاقِلُ الْحَازِمُ الْبَصِيرُ النَّاقِدُ الْكَامِلُ أَنْ تَتَجَنَّبَ طُرُقَهُ وَتَسْوِيلَاتِهِ وَتَحْسِينَاتِهِ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا خَفِيَّهَا وَظَاهِرَهَا، وَأَنْ تَسْتَحْضِرَ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُ لَك بَابًا لَمْ يَفْتَحْهُ الشَّرْعُ فَتْحًا ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ وَلَا شُبْهَةٍ إلَّا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُوقِعَك فِيمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ؛ لِأَنَّك تَتَيَقَّنُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لَك بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَالْعَدُوُّ لَا يُرْضِيهِ إلَّا هَلَاكُ عَدُوِّهِ أَصْلًا وَرَأْسًا.
دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - وَنَاهِيك بِهِ مَعْرِفَةً وَعِلْمًا وَزُهْدًا وَتَقَدُّمًا - الْحَمَّامَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ صَبِيٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ أَخْرِجُوهُ عَنِّي أَخْرِجُوهُ عَنِّي فَإِنِّي أَرَى مَعَ كُلِّ امْرَأَةٍ شَيْطَانًا وَمَعَ كُلِّ صَبِيٍّ بِضْعَةَ عَشَرَ شَيْطَانًا. وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعَهُ صَبِيٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ: مَنْ هَذَا مِنْك؟ قَالَ ابْنُ أُخْتِي، قَالَ: لَا تَجِئْ بِهِ إلَيْنَا مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا تَمْشِ مَعَهُ فِي طَرِيقٍ لِئَلَّا يَظُنَّ بِك مَنْ لَا يَعْرِفُك وَيَعْرِفُهُ سُوءًا. وَرُوِيَ «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِيهِمْ أَمْرُدُ حَسَنُ الْوَجْهِ، فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ ظَهْرِهِ وَقَالَ إنَّمَا كَانَتْ فِتْنَةُ دَاوُد مِنْ النَّظَرِ» ، وَأَنْشَدُوا:
كُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَؤُهَا مِنْ النَّظَرِ ... وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
وَالْمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا ... فِي أَعْيُنِ الْعَيْنِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْخَطَرِ
كَمْ نَظْرَةٍ فَعَلَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا ... فِعْلَ السِّهَامِ بِلَا قَوْسٍ وَلَا وَتَرِ
يَسُرُّ نَاظِرُهُ مَا ضَرَّ خَاطِرَهُ ... لَا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ
وَكَانَ يُقَالُ: النَّظَرُ بَرِيدُ الزِّنَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ، مَنْ تَرَكَهَا مِنْ مَخَافَتِي أَبْدَلْته إيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ» . وَمِمَّا رُوِيَ: «أَنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ فِي سِيَاحَتِهِ عَلَى نَارٍ تَتَوَقَّدُ عَلَى رَجُلٍ فَأَخَذَ مَاءً لِيُطْفِئَهَا عَنْهُ فَانْقَلَبَتْ النَّارُ صَبِيًّا وَانْقَلَبَ الرَّجُلُ نَارًا، فَتَعَجَّبَ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ يَا رَبِّ رُدَّهُمَا إلَى حَالِهِمَا فِي الدُّنْيَا لِأَسْأَلَهُمَا عَنْ خَبَرِهِمَا فَأَحْيَاهُمَا اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute