الْعَسَلِ خَمْرًا» ، وَهَذَا صَرِيحٌ أَيْضًا فِي دُخُولِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الشَّارِعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ مَقْصُودُهُ تَعْلِيمَ اللُّغَاتِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ بَيَانُ أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْخَمْرِ ثَابِتٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَتَخْصِيصُ الْخَمْرِ بِهَذِهِ الْخَمْسِ لَيْسَ إلَّا لِأَجْلِ أَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِاِتِّخَاذِ الْخَمْرِ مِنْهَا فَكُلُّ مَا فِي مَعْنَاهَا كَذَلِكَ، كَمَا أَنَّ تَخْصِيصَ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ فِي خَبَرِ الرِّبَا: أَيْ السَّابِقِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الرِّبَا فِي غَيْرِهَا. وَرَوَى الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . وَأَبُو دَاوُد: «وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» . وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى: «أَلَا فَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ الْبِتْعِ أَيْ نَبِيذِ الْعَسَلِ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْآيَةَ لَمَّا دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَكَانَ مُسَمَّاهَا مَجْهُولًا لِلْقَوْمِ حَسُنَ لِلشَّارِعِ أَنْ يَقُولَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ هَذَا وَيَكُونُ عَلَى سَبِيلِ إحْدَاثِ لُغَةٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَالْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا خَمْرٌ، إنْ كَانَ حَقِيقَةً حَصَلَ الْمُدَّعَى أَوْ مَجَازًا فَكَذَلِكَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الشَّارِعَ لَيْسَ مَقْصُودُهُ تَعْلِيمَ اللُّغَاتِ بَلْ تَعْلِيمَ الْأَحْكَامِ، وَحَدِيثُ الْبِتْعِ الْمَذْكُورِ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ يُبْطِلُ كُلَّ تَأْوِيلٍ ذَكَرَهُ الْقَائِلُونَ بِحِلِّ الْأَنْبِذَةِ وَيُفْسِدُ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ حِلَّ مَا لَا يُسْكِرُ مِنْ الْأَنْبِذَةِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَنْبِذَةِ، فَأَجَابَ بِتَحْرِيمِ الْجِنْسِ الشَّامِلِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَّ تَفْصِيلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَمَقَادِيرِهِ لَذَكَرَهُ وَلَمْ يُهْمِلْهُ وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ - أَيْ بِفَتْحِ الرَّاءِ - كَيْلٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ» . قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُفَتِّرُ كُلُّ شَرَابٍ يُورِثُ الْفُتُورَ وَالْخَدَرَ فِي الْأَعْضَاءِ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِالِاشْتِقَاقِ الْمُتَقَدِّمِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} [المائدة: ٩١] وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ، لِأَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute