للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَائِدَةِ، وَمِنْهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَعْصِيَةَ مِنْ خَوَاصِّهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَلِفَهَا اشْتَدَّ مَيْلُهُ إلَيْهَا وَكَادَ أَنْ يَسْتَحِيلَ مُفَارَقَتُهُ لَهَا بِخِلَافِ أَكْثَرِ الْمَعَاصِي.

وَأَيْضًا فَمُتَعَاطِيهَا لَا يَمَلُّ مِنْهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي، أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّانِيَ تَفْتُرُ رَغْبَتُهُ مِنْ مَرَّةٍ وَكُلَّمَا زَادَ زَادَ فُتُورُهُ، وَالشَّارِبُ كُلَّمَا زَادَ زَادَ نَشَاطُهُ وَاسْتَغْرَقَتْهُ اللَّذَّةُ الْبَدَنِيَّةُ فَأَعْرَضَ عَنْ تَذَكُّرِ الْآخِرَةِ وَجَعَلَهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ نَسْيًا مَنْسِيًّا، فَكَانَ مِنْ الَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ.

وَبِالْجُمْلَةِ؛ إذَا زَالَ الْعَقْلُ حَصَلَتْ الْخَبَائِثُ بِأَسْرِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ» . وَمِنْ مَنَافِعِهَا الْمَذْكُورَةِ فِيهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَغَالَوْنَ فِيهَا إذَا جَلَبُوهَا مِنْ النَّوَاحِي، وَكَانَ الْمُشْتَرِي إذَا تَرَكَ الْمُمَاكَسَةَ فِي شِرَائِهَا عَدُّوهُ فَضِيلَةً لَهُ وَمَكْرُمَةً فَكَانَتْ أَرْبَاحُهُمْ تَكْثُرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ وَمِنْهَا أَنْ تُقَوِّيَ الضَّعِيفَ وَتَهْضِمَ الطَّعَامَ وَتُعِينَ عَلَى الْبَاهِ وَتُسَلِّي الْمَحْزُونَ وَتُشَجِّعَ الْجَبَانَ وَتُصَفِّيَ اللَّوْنَ وَتُنْعِشَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ وَتَزِيدَ فِي الْهِمَّةِ وَالِاسْتِعْلَاءِ؛ ثُمَّ لَمَّا حُرِّمَتْ سَلَبَهَا جَمِيعَ هَذِهِ الْمَنَافِعِ وَصَارَتْ ضَرَرًا صِرْفًا وَمَوْتًا حَتْفًا أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ مَعَاصِيهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

وَجَاءَ فِي السُّنَّةِ الْغَرَّاءِ تَشْدِيدٌ عَظِيمٌ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَعَصْرِهَا وَحَمْلِهَا وَأَكْلِ ثَمَنِهَا وَتَرْغِيبٌ عَظِيمٌ فِي تَرْكِ ذَلِكَ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ. .

أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَأَبُو دَاوُد آخِرَهُ: «وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: قَالَ «لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَذَكَرَ رَابِعَةً فَنَسِيتهَا، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» .

وَأَبُو دَاوُد: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَبَائِعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ» . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: وَزَادَ " وَآكِلَ ثَمَنِهَا ". وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ: وَاللَّفْظُ لَهُ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>