الْإِمَامُ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا، وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ: إنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الدَّلِيلَ فَأَيْنَ الدَّلِيلُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مُدَّعَاهُ؟ . انْتَهَى.
وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ النَّقْلِ عَنْهُمْ، وَلِمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِيهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ؛ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: يُنْظَرُ إلَى عَادَةِ الْبَلَدِ فَحَيْثُ اسْتَعْظَمُوهُ رُدَّتْ الشَّهَادَةُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ ضَعِيفَةٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ فَمَحَلُّهُ حَيْثُ خَلَا عَنْ الْقِمَارِ وَإِلَّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ بِلَا نِزَاعٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ.
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ فِي اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ أَرْبَعَةَ آرَاءٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَعَلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْإسْفَرايِينِيّ، وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ خَيْرَانِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَمَرَّ أَنَّهُ غَلَطٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ وَالدَّلِيلَ. وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ إنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي التَّعَلُّقُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَثِيرًا مَا يُطْلِقُ الْكَرَاهَةَ وَيُرِيدُ بِهَا التَّحْرِيمَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَيَانِ كَمَا مَرَّ إنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْأُمِّ التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ: أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَقَالُوا إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ وَمِمَّا يُزَيِّفُ الْقَوْلَ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ نَقْلُ الْقُرْطُبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِهِ مُطْلَقًا، وَنَقْلُ الْمُوَفَّقِ الْحَنْبَلِيِّ فِي مُغْنِيهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِهِ. ثَانِيهَا: أَنَّهُ حَرَامٌ صَغِيرَةً وَمَرَّ أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُ رَجَّحُوهُ. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ وَمَرَّ أَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ صَرِيحٌ فِيهِ.
رَابِعُهَا: التَّفْصِيلُ بَيْنَ بَلَدٍ يَسْتَعْظِمُونَ ذَلِكَ فَتُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَبَلَدٍ لَا يَسْتَعْظِمُونَهُ فَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ إلَّا إنْ كَثُرَ مِنْهُ؛ وَسُمِّيَ نَرْدَشِيرَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ نِسْبَةً لِأَوَّلِ مُلُوكِ الْفُرْسِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَوَّلَ مَنْ وَضَعَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ. وَقَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: يُقَالُ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ سَابُورُ بْنُ أَرْدَشِيرَ ثَانِي مُلُوكِ السَّاسَانِ وَلِأَجْلِهِ يُقَالُ لَهُ النَّرْدَشِيرُ، وَشَبَّهَ رُقْعَتَهُ بِالْأَرْضِ وَقَسَّمَهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ تَشْبِيهًا بِالْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قِيلَ إنَّهُ عَلَى الْبُرُوجِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَالْكَوَاكِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute