للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ الْأَوْتَارُ، وَبِمَا تَقَرَّرَ قَرِيبًا فِي رَدِّ كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ يُرَدُّ أَيْضًا قَوْلُ التَّاجِ السُّبْكِيّ فِي تَوْشِيحِهِ: لَمْ يَقُمْ عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْيَرَاعِ مَعَ كَثْرَةِ التَّتَبُّعِ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ الْحِلَّ فَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ مُحَرَّمٌ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ، ثُمَّ الْأَوْلَى عِنْدِي لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّوْقِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ حُصُولُ لَذَّةٍ نَفْسَانِيَّةٍ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَطَالِبِ الشَّرْعِيَّةِ. وَأَمَّا أَهْلُ الذَّوْقِ فَحَالُهُمْ مُسَلَّمٌ إلَيْهِمْ وَهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِدُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ.

وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْجُنَيْدِ أَنَّهُ قَالَ: النَّاسُ فِي السَّمَاعِ إمَّا عَوَامُّ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ لِبَقَاءِ نُفُوسِهِمْ، وَإِمَّا زُهَّادٌ وَهُوَ مُبَاحٌ لَهُمْ لِحُصُولِ مُجَاهَدَتِهِمْ، وَإِمَّا عَارِفُونَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لَهُمْ لِحَيَاةِ قُلُوبِهِمْ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ وَصَحَّحَهُ السُّهْرَوَرْدِيُّ فِي عَوَارِفِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُنَيْدَ لَمْ يُرِدْ التَّحْرِيمَ الِاصْطِلَاحِيَّ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي ثُمَّ نَقَلَ عَنْ وَالِدِهِ إفْتَاءً نَظْمًا حَاصِلُهُ أَنَّ نَحْوَ الرَّقْصِ وَالدُّفِّ فِيهِ خِلَافٌ وَأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ شَرِيعَةٌ قَطُّ بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَأَنَّ مَنْ قَالَ بِحِلِّهِ إنَّمَا جَعَلَهُ مُبَاحًا وَأَنَّ مَنْ اصْطَفَاهُ لِدِينِهِ مُتَعَبِّدًا بِحُضُورِهِ فَقَدْ بَاءَ بِحَسْرَةٍ وَخَسَارٍ، وَأَنَّ الْعَارِفَ الْمُشْتَاقَ إذَا هَزَّهُ وَجْدٌ فَهَامَ فِي سَكَرَاتِهِ لَا يَلْحَقُهُ لَوْمٌ بَلْ يُحْمَدُ حَالُهُ لِطِيبِ مَا يَلْقَاهُ مِنْ اللَّذَّاتِ انْتَهَى. قَالَ غَيْرُهُ: أَمَّا سَمَاعُ أَهْلِ الْوَقْتِ فَحَرَامٌ بِلَا شَكٍّ فَفِيهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ كَاخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَافْتِتَانِ الْعَامَّةِ بِاللَّهْوِ مَا لَا يُحْصَى، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قَصْرُهُمْ عَنْهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ مَنْ تَعَوَّدَ السَّمَاعَ مِرَارًا فِي كُلِّ شَهْرٍ فَسَقَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ أَوْ مَرَّةً فَسَقَ وَلَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ، وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: السَّمَاعُ إمَّا مَحْبُوبٌ بِأَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ اللَّهِ وَلِقَائِهِ فَيَسْتَخْرِجُ بِهِ أَحْوَالًا مِنْ الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُلَاطَفَاتِ، وَإِمَّا مُبَاحٌ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِشْقٌ مُبَاحٌ لِحَلِيلَتِهِ، أَوْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ حُبُّ اللَّهِ وَلَا الْهَوَى، وَإِمَّا مُحَرَّمٌ بِأَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوًى مُحَرَّمٌ. وَسُئِلَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ اسْتِمَاعِ الْإِنْشَادِ فِي الْمَحَبَّةِ وَالرَّقْصِ فَقَالَ: الرَّقْصُ بِدْعَةٌ وَلَا يَتَعَاطَاهُ إلَّا نَاقِصُ الْعَقْلِ فَلَا يَصْلُحُ إلَّا لِلنِّسَاءِ، وَأَمَّا سَمَاعُ الْإِنْشَادِ الْمُحَرِّكِ لِلْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ الْمُذَكِّرِ لِأُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، بَلْ يُنْدَبُ عِنْدَ الْفُتُورِ وَسَآمَةِ الْقَلْبِ، وَلَا يَحْضُرُ السَّمَاعَ مَنْ فِي قَلْبِهِ هَوًى خَبِيثٌ فَإِنَّهُ يُحَرِّكُ مَا فِي الْقَلْبِ. وَقَالَ أَيْضًا: السَّمَاعُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّامِعِينَ وَالْمَسْمُوعِ مِنْهُمْ، وَهُمْ إمَّا عَارِفُونَ بِاَللَّهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>