للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْصِيَةِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا مَالٌ وَلَا حَقٌّ لِلْعِبَادِ، كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ وَاسْتِمْنَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ النَّدَمُ عَلَى مَا كَانَ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ.

وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَيُقَالُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ عَلَى مَا مَضَى وَيَتْرُكَ الْإِصْرَارَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [آل عمران: ١٣٥] الْآيَةَ كَذَلِكَ قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُمْ. انْتَهَى.

فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ إلَخْ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته أَنَّ مُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَأَنَّ مَنْ ذَكَرَ الِاسْتِغْفَارَ لَمْ يُرِدْ بِهِ لَفْظَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ النَّدَمَ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا خِلَافَ، وَلَا قَائِلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ حِينَئِذٍ بِاشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ بِالِاسْتِغْفَارِ. الْخَامِسُ: وُقُوعُ التَّوْبَةِ فِي وَقْتِهَا وَهُوَ مَا قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ وَالْمُعَايَنَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ. السَّادِسُ: أَلَّا يَكُونَ عَنْ اضْطِرَارٍ بِظُهُورِ الْآيَاتِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ ثُمَّ أَفَاقَ وَتَابَ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ لِعُذْرِهِ السَّابِقِ وَهُوَ غَرِيبٌ.

السَّابِعُ: أَنْ يُفَارِقَ مَكَانَ الْمَعْصِيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ، وَجَعَلَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا حَيْثُ قَالَ: يُسَنُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يُفَارِقَ حَلِيلَتَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ: أَيْ لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ تَتَذَكَّرُ الْمَعْصِيَةَ فَتَقَعُ فِيهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَمَا حُكِيَ فِي زَمَنِنَا عَمَّنْ جَاءَ بِحَلِيلَتِهِ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ مِنْ أَقْصَى الْمَغْرِبِ فَلَمَّا وَصَلَا مُزْدَلِفَةَ جَامَعَهَا فَجَاوَرَ لِلْعَامِ الْآتِي لِيَحُجَّ قَضَاءً فَجَامَعَهَا بِذَلِكَ الْمَحَلِّ فَجَاوَرَ لِلْعَامِ الثَّالِثِ لِذَلِكَ فَجَامَعَهَا وَكَذَلِكَ، فَلَمَّا ضَجِرَ فَارَقَهَا فِي الْحَجَّةِ الرَّابِعَةِ حَتَّى سَلِمَ لَهُمَا حَجُّهُمَا. الثَّامِنُ: تَجْدِيدُ التَّوْبَةِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ كُلَّمَا ذَكَرَهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ فِيمَا زَعَمَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْهَا فَقَدْ عَصَى مَعْصِيَةً جَدِيدَةً تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا، وَالتَّوْبَةُ الْأُولَى صَحِيحَةٌ إذْ الْعِبَادَةُ الْمَاضِيَةُ لَا يَنْقُضُهَا شَيْءٌ بَعْدَ تَصَرُّفِهَا، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ حِينَ تَذَكُّرِهِ لِلذَّنْبِ تَنْفِرُ نَفْسُهُ فَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْفِرُ مِنْهُ وَتَلْتَذُّ بِذِكْرِهِ فَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ جَدِيدَةٌ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا.

فَالتَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ تَقْتَضِي تَذَكُّرَ صَاحِبِهَا زَلَلَهُ أَسَفًا وَحَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا سَلَفَ مِنْهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ الْآثَارَ وَالْأَخْبَارَ وَجَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>