لِذَلِكَ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً انْتَهَى، وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَنْدَمَ عَلَيْهَا وَتَصِحَّ تَوْبَتُهُ ثُمَّ إذَا ذَكَرَهَا أَضْرَبَ عَنْهَا فَلَمْ يَفْرَحْ بِهَا، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِدَامَةُ النَّدَمِ وَاسْتِصْحَابُ ذِكْرِهِ جَهْدَهُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: عَلَيْهِ أَنْ لَا يُصِرَّ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ تَوْبَةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَا. وَفِي الشَّامِلِ: أَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الَّذِينَ أَسْلَمُوا كَانُوا يَذْكُرُونَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَلْزَمُوا بِتَجْدِيدِ الْإِسْلَامِ وَلَا أُمِرُوا بِهِ انْتَهَى. ثُمَّ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ الْوُجُوبُ أَمَّا النَّدْبُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: «إنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ يَطِيرُ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا» قَالَ الْإِمَامُ: وَلَعَلَّ الْقَاضِيَ بَنَى مَا مَرَّ عَنْهُ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُزِيلُ عِقَابَ الذَّنْبِ قَطْعًا وَأَنَّ ذَلِكَ مَرْجُوٌّ وَمَظْنُونٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَهْمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ غَيْرُ قَاطِعٍ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَزَوَالِ الْعِقَابِ عَنْهُ فَيَنْدَمُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ ثَانِيًا لَا سِيَّمَا وَلَا يَعْلَمُ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ انْتَهَى. التَّاسِعُ: أَنْ لَا يَعُودَ لِلذَّنْبِ عَلَى مَا زَعَمَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: لَوْ نَقَضَ التَّائِبُ تَوْبَتَهُ جَازَ أَنْ تَعُودَ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ لِأَنَّهُ مَا وَفَّى بِهَا لَكِنَّهُ أَقَلُّ إثْمًا مِمَّنْ تَرَكَهَا دَائِمًا.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَى هَذَا مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ أَلَّا يَعُودَ إلَى الذَّنْبِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ كَانَ نَقْضًا لِلْأُولَى، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي الْفَاسِقِ إذَا تَابَ وَعُقِدَ بِهِ النِّكَاحُ ثُمَّ عَادَ إلَى الْفِسْقِ فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: يَتَبَيَّنُ عَدَمُ صِحَّةِ النِّكَاحِ بِتَبْيِينِ الْفِسْقِ حَالَ الْعَقْدِ. الْعَاشِرُ: أَنْ يُمَكِّنَ مِنْ إقَامَةِ حَدٍّ ثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحُكْمِ فَتَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ مِنْهُ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ اسْتِيفَائِهِ، فَلَوْ مُكِّنَ فَلَمْ يَحُدَّهُ الْإِمَامُ وَلَا نَائِبُهُ أَثِمَا دُونَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّ الِاشْتِهَارَ بَيْنَ النَّاسِ كَالثُّبُوتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ اشْتَرَطَ صِحَّةَ تَوْبَتِهِ مِنْهُ التَّمْكِينُ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُطِلْ عَهْدُهُ بِهِ، وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي سُقُوطِهِ بِطُولِ الْعَهْدِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ وَلَا اُشْتُهِرَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا إظْهَارُهُ.
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: إلَّا أَنْ يَتَقَادَمَ عَهْدُهُ بِهِ، وَنَقُولُ الْحَدُّ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الْعَهْدِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّمْكِينُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ لِسُقُوطِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمْ يُقَمْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَلَا ظَهَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَظْهَرَهُ لَتَرَتَّبَ عَلَى إظْهَارِهِ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ مِنْ بُطْلَانِ وِلَايَتِهِ عَلَى وَقْفٍ وَأَيْتَامٍ وَغَيْرِهِمَا، وَيَسْتَوْلِي بِسَبَبِ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute