للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحَالَةً، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ كَأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَتَجَاوَزُ إلَى نَحْوِ تَعْذِيبِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إعْلَامُهُ بَلْ يَلْجَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إرْضَائِهِ عَنْهُ إنْ كَذَبَ فِي قَذْفِهِ. نَعَمْ يَلْزَمُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إعْلَامُ وَارِثِهِ إنْ أَمِنَ مِنْهُ مَعَ التَّضَرُّعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إرْضَائِهِ الْمَقْذُوفَ الْمَيِّتَ عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْغِيبَةِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ فَلَا يَجِبُ إعْلَامٌ إلَّا حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ ظُلْمُهُ بِنَحْوِ أَخْذِ مَالٍ أَوْ تَعْذِيبٍ زَائِدٍ عَلَى مِثْلِ جِنَايَتِهِ.

وَلَوْ بَلَغَتْ الْغِيبَةُ الْمُغْتَابَ أَوْ قُلْنَا إنَّهَا كَالْقَوَدِ، وَالْقَذْفُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى بُلُوغٍ. فَالطَّرِيقُ أَنْ يَأْتِيَ الْمُغْتَابَ وَيَسْتَحِلَّ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ أَوْ تَعَذَّرَ لِغَيْبَتِهِ الشَّاسِعَةَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَالِاعْتِبَارُ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ ذَكَرَهُ الْحَنَّاطِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَقَرَّهُمْ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ فِيهَا: وَإِفْتَاءُ الْحَنَّاطِيُّ بِأَنَّ الْغِيبَةَ إذَا لَمْ تَبْلُغْ الْمُغْتَابَ كَفَاهُ النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا يَحْتَاجُ لِاسْتِحْلَالِ الْمُغْتَابِ إذَا عَلِمَ لِمَا دَاخَلَهُ مِنْ الضَّرَرِ وَالْغَمِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا فَائِدَةَ فِي إعْلَامِهِ لِتَأَذِّيهِ فَلْيَتُبْ فَإِذَا تَابَ أَغْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ. نَعَمْ إنْ كَانَ انْتَقَصَهُ عِنْدَ قَوْمٍ رَجَعَ إلَيْهِمْ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً انْتَهَى. وَتَبِعَهُمَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرُهُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَنَّهُ نَاظَرَ سُفْيَانَ فِيهِ وَقَالَ لَهُ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِ لَا تُؤْذِهِ مَرَّتَيْنِ.

وَحَدِيثُ: «كَفَّارَةُ الْغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنْ اغْتَبْته تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ» فِيهِ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: هُوَ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ إسْنَادٌ مَعْنَاهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤] . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» . وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ لَمَّا اشْتَكَى إلَيْهِ ذَرِبَ اللِّسَانِ عَلَى أَهْلِهِ: «أَيْنَ أَنْتَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ» انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ صَحَّ مَا يُعَارِضُهُ وَهُوَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ فِي تِلْكَ الْمَرْأَةِ: قَدْ اغْتَبْتِيهَا قُومِي فَتَحَلَّلِيهَا» ، وَقَوْلُهُ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ أَخِيهِ مَظْلِمَةٌ فَلْيَسْتَحِلَّهُ الْيَوْمَ» وَبِأَنَّهُ لَوْ أَجْزَأَ الِاسْتِغْفَارُ هُنَا لَأَجْزَأَ فِي أَخْذِ الْمَالِ.

وَقَدْ يُجَابُ بِمَنْعِ الْمُعَارَضَةِ بِأَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَفْضَلِ أَوْ بِمَا يَمْحُو أَثَرَ الذَّنْبِ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى الْفَوْرِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَبِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغِيبَةِ وَأَخْذِ الْمَالِ. وَمِنْ ثَمَّ وَجَّهُوا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ مَعَ عَظِيمِ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ الْوَعِيدِ بِأَنَّ عُمُومَ ابْتِلَاءِ النَّاسِ بِهَا اقْتَضَى الْمُسَامَحَةَ بِكَوْنِهَا صَغِيرَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْسِيقُ النَّاسِ كُلِّهِمْ إلَّا الْفَذُّ النَّادِرُ مِنْهُمْ، وَهَذَا حَرَجٌ عَظِيمٌ فَلِأَجْلِهِ خُفِّفَ فِيهَا بِذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>