كَالْأَمْوَالِ حَتَّى تُقَاسَ بِهَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إعْلَامُ ذِي الْحَقِّ الْمُكَلَّفِ فَغَيْرُهُ يَبْقَى حَقُّهُ وَإِنْ سَامِح.
وَنَقَلَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَوْ أَظْهَرَ الِاعْتِذَارَ بِلِسَانِهِ حَتَّى طَابَ قَلْبُ خَصْمِهِ كَفَاهُ، عَنْ هَاشِمٍ أَنَّهُ لَوْ أَظْهَرَ بِلِسَانِهِ دُونَ بَاطِنِهِ لَمْ يَكْفِهِ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْلُصْ فِيهِ كَانَ ذَنْبًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَظْهَرُ بَقَاءُ مُطَالَبَةِ خَصْمِهِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ عَدَمَ إخْلَاصِهِ فِي اعْتِذَارِهِ لَتَأَذَّى بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فَقَالَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْلِصَ فِي الِاعْتِذَارِ إذْ هُوَ قَوْلُ النَّفْسِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَالْعِبَارَةُ تَرْجَمَةٌ عَنْهَا، فَإِنْ لَمْ يُخْلِصْ فَهُوَ ذَنْبٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْقَى لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ مُطَالَبَةٌ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُخْلِصٍ لَمَا رَضِيَ بِهِ انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ فِي غِيبَةِ اللِّسَانِ فَغِيبَةُ الْقَلْبِ لَا يَجِبُ الْإِخْبَارُ بِهَا عَلَى قِيَاسِ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْحَسَدِ وَنَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ.
وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الِاعْتِذَارُ إلَى الْمَقْذُوفِ مَثَلًا إنْ ظَنَّ أَنَّهُ عَلِمَ لِيُزِيلَ غَمُّهُ وَإِلَّا فَلَا. لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالِاعْتِذَارِ إزَالَةُ الْغَمِّ وَهَذَا يُجَدِّدُهُ، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الِاعْتِذَارِ مِنْ الذَّنْبِ كَوْنُهُ إسَاءَةٍ لَا كَوْنُهُ مُوجِبًا لِغَمِّهِ إذْ لَوْ سَرَقَ دِرْهَمًا مِنْ مَالِ سُلْطَانٍ وَأُعْلِمَ أَنَّهُ لَا يَغُمُّهُ لَزِمَهُ الِاعْتِذَارُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ إسَاءَةً، كَمَا يَلْزَمُهُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ فَقِيرٍ يَعْظُمُ أَسَفُهُ بِفَقْدِهِ؛ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَجِبَ هُنَا مِنْ الِاعْتِذَارِ أَشَدُّ مِمَّا وَجَبَ مِنْهُ ثُمَّ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مَالًا ثُمَّ رَدَّهُ لِمَحَلِّهِ وَلَمْ يَشْعُرْ مَالِكُهُ فَيَلْزَمُهُ الِاعْتِذَارُ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ إسَاءَةً إلَيْهِ وَظُلْمًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَاهُ هَذَا الْقَائِلُ لَسَقَطَ وُجُوبُ الِاعْتِذَارِ إلَيْهِ مِنْ الْإِسَاءَةِ الْعَظِيمَةِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُسَاءَ إلَيْهِ يَغْتَمُّ بِذَلِكَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَمَا ذَكَرَهُ فِي السَّرِقَةِ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَقَالَ: مَنْ سَرَقَ مَالًا وَرَدَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ أَخَذَهُ سَرِقَةً بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ نَفْسَهُ، وَمَرَّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ وَوَافَقَهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَا لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ حَدٌّ كَالْقَذْفِ اُعْتُبِرَ تَحْلِيلُهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ مِنْ الْغِيبَةِ الْمَجْهُولَةِ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ فِي الْأَذْكَارِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْمَحُ عَنْ غِيبَةٍ دُونَ غِيبَةٍ، وَكَلَامُ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ سَمَحَ بِالْعَفْوِ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ فَقَدْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ مَهْمَا كَانَتْ الْغِيبَةُ يُوَافِقُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا. وَأَمَّا الْحَدِيثُ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كَأَبِي ضَمْضَمَ كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute