للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَلْ يُؤَاخَذُ بِهِمَا إذَا عَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هَمَّ أَوْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِهَا كَمَنْ هَمَّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ فَمَشَى إلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ مِنْ الطَّرِيقِ فَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ، قَالَ السُّبْكِيُّ: تَظْهَرُ الْمُؤَاخَذَةُ مِنْ إطْلَاقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَمَلَ بِكَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ وَلَمْ يَعْمَلْهُ، قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَحْرِيمُ الْمَشْيِ إلَى مَعْصِيَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمَشْيُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحًا وَلَكِنْ لِانْضِمَامِ قَصْدِ الْحَرَامِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشْيِ وَالْقَصْدِ لَا يَحْرُمُ عِنْدَ انْفِرَادِهِ. أَمَّا إذَا اجْتَمَعَا فَيَحْرُمُ فَإِنَّ مَعَ الْهَمِّ عَمَلًا لِمَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَهْمُومِ بِهِ فَاقْتَضَى إطْلَاقَ أَوْ يَعْمَلُ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِ قَالَ فَاشْدُدْ بِهَذِهِ الْفَائِدَةِ يَدَيْك وَاِتَّخِذْهَا أَصْلًا يَعُودُ نَفْعُهَا عَلَيْك.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَا قَالَهُ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْمُقَدِّمَةِ إنْ انْضَمَّتْ إلَى حَدِيثِ النَّفْسِ لِإِطْلَاقٍ أَوْ بِعَمَلٍ حَسَنٍ إذَا لَمْ يَعْتَبِرْ فِي حَدِيثٍ آخَرَ. لَكِنْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَوْ يَعْمَلُ بِهِ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ رَجَعَ عَنْ فِعْلِ السَّيِّئَةِ بَعْدَ فِعْلِ مُقَدِّمَتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يُؤَاخَذْ بِالْفِعْلِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «فَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي» أَيْ مِنْ أَجْلِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ «وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً» .

وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ أَوْ يَعْمَلُ حَتَّى يُقَالَ إذَا تَكَلَّمْت أَوْ عَمِلْت يَكْتُبُ عَلَيْهَا حَدِيثَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْهَمُّ لَا يُكْتَبُ فَحَدِيثُ النَّفْسِ أَوْلَى، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَخِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُهُ تَاجُ الدِّينِ هُنَا، وَقَدْ نَازَعَهُ ابْنُهُ وَقَالَ: يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُؤَاخَذَ عِنْدَ انْضِمَامِ عَمَلٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْمَهْمُومِ بِهِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. قَالَ: وَقَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ الْهَمُّ لَا يُكْتَبُ فَحَدِيثُ النَّفْسِ أَوْلَى مَمْنُوعٌ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْهَمَّ لَا يُكْتَبُ مُطْلَقًا بَلْ يُكْتَبُ عِنْدَ انْضِمَامِ الْعَمَلِ إلَيْهِ انْتَهَى.

وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ: كَمَا يَحْرُمُ فِعْلُ الْحَرَامِ يَحْرُمُ الْفِكْرُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: ٣٢] فَمَنَعَ مِنْ التَّمَنِّي فِيمَا لَا يَحِلُّ كَمَا مَنَعَ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ بِقَوْلِهِ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] وَلَوْ نَوَى أَنَّهُ يَكْفُرُ غَدًا كَفَرَ حَالًا عَلَى الْأَصْلِ بَلْ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ أَخْطَرُ. قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ فِي الظَّاهِرِ مَعْصِيَةً لَكِنْ يَقْتَرِنُ بِهِ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ تُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يَصِيرُ قُرْبَةً كَمَا مَرَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُكُوسِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ: وَأَمَّا النَّمِيمَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ مَا هُوَ شَدِيدُ الْأَذَى وَمَا هُوَ خَفِيفُهُ، فَالْخَفِيفَةُ يُسَامِحُ بِهِ صَاحِبُهُ غَالِبًا انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا وَجْهَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ لِأَنَّ الْغِيبَةَ دُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>