للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّمِيمَةِ إجْمَاعًا وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْصِلُوا فِيهَا كَذَلِكَ فَالنَّمِيمَةُ أَوْلَى قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ هَذَا فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ لِلْغَزَالِيِّ أَنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي بَيْنَ الْعِبَادِ، أَمَّا فِي الْمَالِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عِنْدَ الْمُكْنَةِ فَإِنْ عَجَزَ لِفَقْرٍ اسْتَحَلَّهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِهِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَأَمْكَنَ التَّصَدُّقُ عَنْهُ فَعَلَهُ، وَإِلَّا فَلْيُكْثِرْ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَيَرْجِعْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَضَرَّعْ إلَيْهِ فِي أَنْ يُرْضِيَهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَأَمَّا فِي النَّفْسِ فَيُمَكِّنُهُ أَوْ وَلِيَّهُ مِنْ الْقَوَدِ فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إرْضَائِهِ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا فِي الْعِرْضِ فَإِنْ اغْتَابَهُ أَوْ شَتَمَهُ أَوْ بَهَتَهُ فَحَقُّهُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَهُ بِأَنْ لَمْ يَخْشَ زِيَادَةَ غَيْظٍ أَوْ هَيْجِ فِتْنَةٍ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ، وَإِنْ خَشِيَ ذَلِكَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ لِيُرْضِيَهُ عَنْهُ، وَأَمَّا فِي حُرُمِهِ؛ فَإِنْ فَتَنَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِحْلَالِ وَالْإِظْهَارِ؛ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ فِتْنَةً وَغَيْظًا بَلْ يَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْهُ وَيَجْعَلَ لَهُ خَيْرًا فِي مُقَابَلَتِهِ، فَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ وَالْهَيْجَ وَهُوَ نَادِرٌ فَلْيَسْتَحِلَّ مِنْهُ؛ وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَإِنْ كَفَّرَهُ أَوْ بَدَّعَهُ أَوْ ضَلَّلَهُ فَهُوَ أَصْعَبُ الْأُمُورِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَكْذِيبِ نَفْسِهِ بَيْنِ يَدَيْ مَنْ قَالَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِهِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَإِلَّا فَالِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى جِدًّا وَالنَّدَمُ عَلَى ذَلِكَ لِيُرْضِيَهُ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ انْتَهَى.

وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَرَمِ الشَّامِلِ لِلزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ الزِّنَا وَاللِّوَاطَ فِيهِمَا حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ فَتَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا عَلَى اسْتِحْلَالِ أَقَارِبِ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ الْمَلُوطِ بِهِ، وَعَلَى اسْتِحْلَالِ زَوْجِ الْمَزْنِيِّ بِهَا هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً، وَإِلَّا فَلْيَتَضَرَّعْ إلَى اللَّهِ فِي إرْضَائِهِمْ عَنْهُ وَيُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي الزِّنَا وَاللِّوَاطِ إلْحَاقَ عَارٍ أَيَّ عَارٍ بِالْأَقَارِبِ وَتَلْطِيخَ فِرَاشِ الزَّوْجِ فَوَجَبَ اسْتِحْلَالُهُمْ حَيْثُ لَا عُذْرَ.

فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي ذَلِكَ جَعْلُ بَعْضِهِمْ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَتَقْبِيلَهَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَالزِّنَا وَشُرْبَ الْخَمْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الزِّنَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِحْلَالٍ. قُلْت: هَذَا لَا يُقَاوَمُ بِهِ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُ إنَّهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ فَالْعِبْرَةُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الزِّنَا بِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا قَرِيبَ فَهَذِهِ يَسْقُطُ فِيهَا الِاسْتِحْلَالُ لِتَعَذُّرِهِ، وَالثَّانِي عَلَى مَنْ لَهَا ذَلِكَ وَأَمْكَنَ الِاسْتِحْلَالُ بِلَا فِتْنَةٍ فَيَجِبُ وَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ بِدُونِهِ، وَقَدْ يُجْمَعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>