للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَامِلِهِ: لَا تُعَاقِبْ غَضَبَك بَلْ احْبِسْهُ فَإِذَا سَكَنَ غَضَبُك عَاقِبْهُ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ وَلَا تُجَاوِزْ بِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوْطًا. وَأَغْلَظَ لَهُ قُرَشِيٌّ فَأَطْرَقَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت أَنْ يَسْتَفِزَّنِي الشَّيْطَانُ لِعِزِّ السُّلْطَانِ فَأَنَالَ مِنْك الْيَوْمَ مَا تَنَالُهُ مِنِّي غَدًا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَقَلُّ النَّاسِ غَضَبًا أَعْقَلُهُمْ فَإِنْ كَانَ لِلدُّنْيَا كَانَ دَهَاءً وَمَكْرًا، وَإِنْ كَانَ لِلْآخِرَةِ كَانَ عِلْمًا وَحُكْمًا.

كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: أَفْلَحَ مَنْ حُفِظَ مِنْ الْهَوَى وَالطَّمَعِ وَالْغَضَبِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ أَطَاعَ شَهْوَتَهُ وَغَضَبَهُ قَادَاهُ إلَى النَّارِ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: مِنْ عَلَامَاتِ الْمُسْلِمِ: قُوَّةٌ فِي دِينٍ، وَحَزْمٌ فِي لِينٍ، وَإِيمَانٌ فِي يَقِينٍ، وَعِلْمٌ فِي حِلْمٍ، وَكَيْسٌ فِي رِفْقٍ، وَإِعْطَاءٌ فِي حَقٍّ، وَقَصْدٌ فِي غِنًى، وَتَجَمُّلٌ فِي فَاقَةٍ، وَإِحْسَانٌ فِي قُدْرَةٍ، وَصَبْرٌ فِي شِدَّةٍ، لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ؛ وَلَا تُجْمَعُ بِهِ الْحَمِيَّةُ، وَلَا تَغْلِبُهُ شَهْوَتُهُ وَلَا يَفْضَحُهُ بَطْنُهُ وَلَا يَسْتَخِفُّهُ حِرْصُهُ، يَنْصُرُ الْمَظْلُومَ وَيَرْحَمُ الضَّعِيفَ، وَلَا يَبْخَلُ وَلَا يُبَذِّرُ وَلَا يُسْرِفُ وَلَا يَقْتُرُ، يَغْفِرُ إذَا ظُلِمَ وَيَعْفُو عَنْ الْجَاهِلِ، نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَخَاءٍ.

وَقَالَ وَهْبٌ: لِلْكُفْرِ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: الْغَضَبُ وَالشَّهْوَةُ وَالْخُلْفُ وَالطَّمَعُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ حَمَلَهُ الْغَضَبُ عَلَى أَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَمَاتَ كَافِرًا، فَتَأَمَّلْ شَرَّ الْغَضَبِ وَمَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ نَبِيٌّ لِأَتْبَاعِهِ: مَنْ يَتَكَفَّلُ لِي مِنْكُمْ أَنْ لَا يَغْضَبَ يَكُنْ خَلِيفَتِي وَمَعِي فِي دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ شَابٌّ: أَنَا فَأَعَادَ فَقَالَ ذَلِكَ الشَّابُّ: أَنَا وَوَفَّى، فَلَمَّا مَاتَ كَانَ خَلِيفَتَهُ فِي مَنْزِلَتِهِ وَهُوَ ذُو الْكِفْلِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَغْضَبَ وَوَفَّى بِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ وَوَفَّى بِهِ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ: «إنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ عَلَيْهِ» . وَأَخْرَجَ أَيْضًا: «إذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللَّهُ إلَى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ» .

وَمُسْلِمٌ: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: اُتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا» . وَالطَّبَرَانِيُّ: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>