وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيك حَيَاءٌ مَا تَكَلَّمْتَ مَا أَحْقَرَك فِي عَيْنِي بِمَا فَعَلْتَ، وَخَزَاك اللَّهُ وَانْتَقَمَ مِنْك، فَأَمَّا نَحْوُ الْقَذْفِ وَسَبِّ الْوَالِدَيْنِ فَحَرَامٌ اتِّفَاقًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ: «أَنَّ زَيْنَبَ سَبَّتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَأَجَابَتْهَا حَتَّى غَلَبَتْهَا بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّهَا ابْنَةُ أَبِيهَا» .
وَالْمُرَادُ بِالسَّبِّ هُنَا أَنَّهَا أَجَابَتْهَا عَنْ كَلَامِهَا بِالْحَقِّ وَقَابَلَتْهَا بِالصِّدْقِ، وَالْأَفْضَلُ تَرْكُ ذَلِكَ، وَإِنْ جَازَ لِأَنَّهُ يَجُرُّ إلَى مَا هُوَ أَقْبَحُ وَأَفْحَشُ.
وَفِي حَدِيثٍ: «الْمُؤْمِنُ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الرِّضَا فَهَذِهِ بِتِلْكَ» وَفِي آخَرَ: «أَنَّهُ قَسَّمَ الْخَلْقَ إلَى سَرِيعِهِمَا وَبَطِيئِهِمَا وَسَرِيعِ أَحَدِهِمَا بَطِيءِ الْآخَرِ وَجَعَلَ خَيْرَهُمْ بَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا وَشَرَّهُمْ عَكْسَهُ» .
وَمِنْهَا: قَدْ مَرَّ أَنَّ مِنْ ثَمَرَاتِ الْغَضَبِ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْغَضَبَ إذَا لَزِمَ كَظْمُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّشَفِّي حَالًا رَجَعَ إلَى الْبَاطِنِ وَاحْتَقَنَ فِيهِ فَصَارَ حِقْدًا وَحَسَدًا، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ قَلْبَهُ اسْتِثْقَالُهُ وَبُغْضُهُ دَائِمًا فَهَذَا هُوَ الْحِقْدُ.
وَمِنْ ثَمَرَاتِهِ أَنْ تَحْسُدَهُ بِأَنْ تَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ عَنْهُ، وَتَتَمَتَّعَ بِنِعْمَتِهِ وَتَفْرَحَ بِمُصِيبَتِهِ، وَأَنْ تَشْمَتَ بِبَلِيَّتِهِ وَتَهْجُرَهُ وَتُقَاطِعَهُ، وَإِنْ أَقْبَلَ عَلَيْك، وَتُطْلِقَ لِسَانَك فِيهِ بِمَا لَا يَحِلُّ، وَتَهْزَأَ بِهِ وَتَسْخَرَ مِنْهُ وَتُؤْذِيَهُ، وَتَمْنَعَهُ حَقَّهُ مِنْ نَحْوِ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ رَدِّ مَظْلِمَةٍ وَكُلُّ ذَلِكَ شَدِيدُ الْإِثْمِ وَالتَّحْرِيمِ؛ وَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْحِقْدِ الِاحْتِرَازُ مِنْ هَذِهِ الْآفَاتِ الْمُنْقِصَةِ لِلدِّينِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِحَقُودٍ» .
وَمِنْهَا: قَدْ عَلِمْتَ قَرِيبًا مَعْنَى الْحَسَدِ فَلَا حَسَدَ إلَّا عَلَى نِعْمَةٍ بِأَنْ تَكْرَهَهَا لِلْغَيْرِ وَتُحِبَّ زَوَالَهَا عَنْهُ، فَإِنْ اشْتَهَيْتَ لِنَفْسِك مِثْلَهَا مَعَ بَقَائِهَا لِذَوِيهَا فَهُوَ غِبْطَةٌ، وَقَدْ يُخَصُّ بِاسْمِ الْمُنَافَسَةِ وَهِيَ قَدْ تُسَمَّى حَسَدًا كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ: «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ» وَفِي حَدِيثٍ: «الْمُؤْمِنُ يَغْبِطُ وَالْمُنَافِقُ يَحْسُدُ» .
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَالْأَوَّلُ حَرَامٌ وَفُسُوقٌ بِكُلِّ حَالٍ.
نَعَمْ إنْ تَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَةِ فَاجِرٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا آلَةُ فَسَادِهِ، وَإِيذَائِهِ الْخَلْقَ وَلَوْ صَلُحَ حَالُهُ لَمْ يَتَمَنَّ زَوَالَهَا عَنْهُ فَلَا حُرْمَةَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَنَّ زَوَالَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا نِعْمَةً بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا آلَةَ الْفَسَادِ وَالْإِيذَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَأَنَّهُ فُسُوقٌ وَكَبِيرَةٌ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَخْبَارِ.
وَمِنْ آفَاتِهِ؛ أَنَّ فِيهِ تَسَخُّطًا لِقَضَاءِ اللَّهِ إذْ أَنْعَمَ عَلَى الْغَيْرِ مِمَّا لَا مَضَرَّةَ عَلَيْك فِيهِ، وَشَمَاتَةً بِأَخِيك الْمُسْلِمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: