[التقاء محمد بن تومرت بعبد المؤمن بن علي وفكرة التغيير]
قابل محمد بن تومرت في المهدية رجلاً اسمه: عبد المؤمن بن علي وكان له شأن فيما بعد في تاريخ المسلمين في بلاد المغرب والأندلس، وكان في مدينة المهدية في تونس يبغي ما بغاه محمد بن تومرت من قبل، فهو يبحث عن العلم والدين كما فعل محمد بن تومرت برحلته في بلاد المسلمين، فسأله محمد بن تومرت عن سبب تركه لبلاد المغرب العربي وسياحته في البلاد، فقال: أبحث عن العلم والدين فقال: عندي العلم والدين.
فالتقيا وأخذ محمد بن تومرت يعلم عبد المؤمن بن علي من علمه، فأعجب به جداً وتآخيا في الله، فتعلم عبد المؤمن بن علي من محمد بن تومرت العلم مع فظاظة الأسلوب في دعوة الناس إلى المعروف وفي نهيهم عن المنكر، وبدأ الاثنان يدعوان إلى الله سبحانه وتعالى في بلاد المغرب العربي، وانظم إليهما خمسة فصاروا سبعة.
كان يرى محمد بن تومرت أن المنكرات قد كثرت جداً في بلاد المرابطين، فوجد أن الخمور قد فشت في أماكن كثيرة، حتى في مراكش العاصمة التي أسسها يوسف بن تاشفين رحمه الله من قبل، وكانت ثغراً من ثغور الإسلام، ووجد أن السفور والاختلاط قد انتشر، وأن الولاة يظلمون الناس ويفرضون عليهم الضرائب، ويأكلون أموال اليتامى، حتى إنه شاهد من ضمن المشاهدات أن امرأة سافرة تخرج في فوج كبير جداً وحرس وما إلى ذلك من الأمور، فسأل عن هذه المرأة السافرة فوجدها ابنة علي بن يوسف بن تاشفين ابنة أمير المسلمين في ذلك الزمان.
فجلس مع الستة الأفراد الذين معه وعرض عليهم فكرته في التغيير، وقال لهم: إن الأمور قد فشت والمعاصي قد انتشرت في بلاد المرابطين وأرى أن الحل لهذا الأمر هو أن نقصي الحكام عن الحكم، فنبدأ بـ علي بن يوسف بن تاشفين ومن معه من الحكام أو الولاة والجيش، فنخرج عليهم ونقصيهم من الحكم، فنستطيع أن نغير البلاد ونحكمها بشرع الله بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
يعني: هو لا يريد أن يبدأ الطريق الطويل طريق التربية الذي بدأه عبد الله بن ياسين رحمه الله من قبل، والذي سار فيه سنوات حتى تمكن من الأمور، إنما يريد أن يعزل علي بن يوسف بن تاشفين من حكم البلاد عليها، ثم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومن المعلوم أن علي بن يوسف بن تاشفين كان يقيم شرع الله سبحانه وتعالى، وكان يجاهد في سبيل الله، لكن كانت عنده تجاوزات ومخالفات في هذه الفترة ما كان يجوز لـ محمد بن تومرت ومن معه من الرجال -على صدق نواياهم فيما يبدو لنا وعلى تقشفهم وزهدهم وعلمهم الغزير- أن يخرجوا عليه، بل كان عليهم أن يساعدوه على العودة إلى طريق الإسلام الصحيح، وعلى تعليم الناس وتربيتهم.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه الرسالة في أرض مكة ودعا إلى الله سبحانه وتعالى وخالفه المشركون، كان من الممكن أن يفعل الأمر الذي فكر فيه محمد بن تومرت فيأمر سيدنا علي بن أبي طالب، وسيدنا الزبير بن العوام، وسيدنا طلحة بن عبيد الله أن يقتل كل واحد منهم رجلاً من صناديد قريش ليتملك الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم في مكة، ثم بعد ذلك يقيم شرع الله سبحانه وتعالى، لكن هذه ليست سنة الله سبحانه وتعالى في التغيير، ولذلك لم يتبعها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، بل أخذ يربي الناس بالتدريج في مكة لمدة (١٣) سنة، ثم هاجر إلى المدينة المنورة فبدأ يربي الناس بالتدريج، ثم كانت موقعة بدر مع الكافرين، ثم كانت المواقع التي تتلو ذلك، حتى تمكن رسولنا صلى الله عليه وسلم من السيطرة على الأمور في جزيرة العرب جميعاً.
إذاً: هذا هو النهج الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي سلكه الشيخ عبد الله بن ياسين رحمه الله في إقامة دولة المرابطين، لكن الذي فعله محمد بن تومرت كان مخالفاً للنهج في التغيير، وكانت عنده فظاظة وشدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.