[الانحرافات العقدية والسلوكية التي وقع فيها محمد بن تومرت]
خرج محمد بن تومرت من مراكش ونزل على صديق له في بلد مجاور، ونصحه أن يذهب معه إلى قرية في عمق الجبل اسمها: قرية تينملل، هذه القرية ستكون عاصمة للدولة التي أسسها محمد بن تومرت بعد ذلك، وكان محمد بن تومرت زاهداً، وكان لا يحمل معه إلا عصا، ولا يأكل إلا البسيط من الطعام، وكان صاحب علم غزير فبدأ الناس في هذه القرية الصغيرة يلتفون حوله ويسمعون كلامه، وبدأ يؤثر فيهم ويخبرهم بكثرة المعاصي في بلاد المرابطين، فكون حوله جماعة صغيرة سماها: جماعة الموحدين، وكانت هذه التسمية خطيرة، فقويت شوكة محمد بن تومرت، وظهرت عليه انحرافات عقائدية خطيرة جداً، والسبب في ذلك أنه تعلم على يد أناس كثيرين وتيارات مختلفة من سنة وشيعة ومعتزلة وغيرها في الشام والعراق ومكة ومصر وغيرها من البلاد، حتى ظهر عليه خليط من العقائد المختلفة، فادعى العصمة، وهذه خاصة بأئمة الشيعة، فقد أخذ منهم هذه الجزئية، فادعى أنه معصوم لا يخطئ، وادعى أمراً خطيراً آخر وهو أن المرابطين من المجسمة؛ وذلك لأنهم يثبتون لله صفاته، فقد أخذ فكر المعتزلة في نفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى، ولهذا الادعاء كفر المرابطين، فقال: إن علي بن يوسف بن تاشفين ومن معه من الولاة والعلماء كافرون، ومن يعمل تحت حكمهم ويرضى بحكمهم من الكافرين.
ونتيجة لهذا التكفير استحل دماء المرابطين وأمر بقتلهم والخروج عليهم، وأفتى أصحابه أن من قتلهم إن استطاع ليس آثماً، بل هو محرز لثواب عظيم، وكان متساهلاً جداً في الدماء، وقد أخذ ذلك عن الخوارج، فإنهم كانوا متساهلين جداً في الدماء، فقد كان يقتل العشرات من المخالفين له، حتى ولو كانوا من جماعة الموحدين.
وادعى لنفسه بعض الخوارق، وأنه هو المهدي المنتظر، وبدأ الناس يصدقون ذلك؛ لأن علماء دولة المرابطين انشغلوا بالأمور الفرعية عن تعليم الناس أصول العقائد وأصول العبادات وأصول الدين، وصنعوا جداراً كبيراً بينهم وبين العامة.
فالعامة ما تعرف الحق من الباطل، لما رأت رجلاً مثل محمد بن تومرت عالماً كبيراً يروي عن هذا ويروي عن هذا، ويحفظ كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلم سير الصالحين والسابقين، ويعلم فقه كذا وكذا، فما كان للعامة إلا أن تسمع وتطيع لما يقوله محمد بن تومرت فاعتقدوا جميعاً بعصمته وبحل قتل المرابطين، بل والثواب الجزيل على من يقتل المرابطين الذين فتحوا البلاد وأقاموا صرح الإسلام في بلاد المغرب والأندلس سنوات طويلة، فبعد أن انتشرت بعض المنكرات في بلادهم، وبعد أن انشغلوا بالجهاد عن التعليم صاروا يكفرون ويقاتلون من قبل جماعة الموحدين!! وعبارة جماعة الموحدين فيها إشارة واضحة جداً من محمد بن تومرت أن غير الجماعة ليسوا بموحدين، بل هم كفار ليسوا بمسلمين.