رتب ابن تاشفين جيشه وصلى بهم الفجر، وبعد الفجر يغدر ألفونسو السادس فهجم على الجيش فوجده على تعبئته، فقد قسم يوسف بن تاشفين الجيش إلى نصفين: نصف أمامي ونصف خلفي، أما النصف الأمامي فقد طلب المعتمد على الله بن عباد أن يكون على قيادته، ومن معه من الأندلسيين، فهو يريد أن يكون بين المسلمين والنصارى، وأن يغسل عار السنين، ويمحو الذل الذي أذاقه إياه ألفونسو السادس، وأن يتلقى الضربة الأولى من جيش النصارى، فيقف المعتمد على الله بن عباد في مقدمة الجيش وخلفه داود بن عائشة كبير قواد المرابطين.
أما الجيش الخلفي ففيه يوسف بن تاشفين رحمه الله فهو يختفي خلف تل من التلال بعيداً عن أرض الموقعة، وعدد أفراد الجيش الثاني خمسة عشر ألفاً، وقد قسم الجيش الثاني إلى نصفين، يتكون من أحد عشر ألف مقاتل وكانوا مع يوسف بن تاشفين، ثم النصف الثاني يتكون من أربعة آلاف من رجال السودان المهرة؛ كانوا يحملون سيوفاً هندية، ورماحاً طويلة، وكانوا من أعظم المحاربين في جيش المرابطين، وجعلهم في آخر الجيش، وكانت خطة يوسف بن تاشفين نفس خطة خالد بن الوليد في فتوح فارس، في موقعة الولجة، ونفس خطة النعمان بن مقرن رضي الله عنه وأرضاه في موقعة نهاوند أيضاً في فتوح فارس فقد كان ابن تاشفين يقرأ التاريخ ويعتبر بالتاريخ.
وتبدأ الموقعة، وإذا بستين ألف نصراني يهجمون على خمسة عشر ألف مسلم وبقية الجيش لا يقاتلون، يريد يوسف بن تاشفين أن تحتدم الموقعة حتى تنهك قوى الطرفين ولا يستطيعان القتال، هنا يدخل يوسف تاشفين بجيشه ليعدل الكفة في صف المسلمين، وهذه سياسة النفس الطويل، كالذي يجري في (الماراثون) في سباق طويل جداً (١٠كيلو) أو (٢٠كيلو)، فلو جرى في أول السباق بحمية شديدة لن يستطيع أن يكمل السباق، لكنه يبدأ بالتدريج حتى يصل إلى آخر السباق فيسرع ويكمل السباق لصالحه، هكذا فعل يوسف بن تاشفين رحمه الله.
فإذا بستين ألفاً من النصارى، وكأنهم أمواج تتلوها أمواج، وأسراب تتبعها أسراب يهجمون على جيش المسلمين والمسلمون صابرون، فقد مات على المعتمد على الله بن عباد ثلاثة خيول وهو صابر حتى كان لا يرى من كثرة الدماء، حتى أتى وقت العصر وهناك يشير يوسف بن تاشفين إلى من معه أن انزلوا وساعدوا إخوانكم، فينزل يوسف بن تاشفين ومن معه وهم مستريحون بعد طول صبر، فيحاصرون الجيش النصراني؛ وقد قسم يوسف بن تاشفين المقاتلين الذين معه إلى قسمين: قسم يساعد المسلمين، وقسم يلتف خلف جيش النصارى، وأول شيء عمله خلف جيش النصارى أن حرق خيام النصارى في خلف الجيش، وقد كانت الخيام فارغة لا يوجد بها أحد، وإنما فعل ذلك حتى يعلم النصارى أن يوسف بن تاشفين ومن معه خلف الجيش، فلما علموا أنهم محاصرون من خلفهم، دبت الهزيمة في قلوبهم، وبدأ يحدث الخلل والانسحاب، والتف الناس حول ألفونسو السادس يحمونه، وبدءوا ينسحبون فحدثت خلخلة عظيمة في جيش النصارى في موقعة الزلاقة، فكانت الضربة الأولى لـ يوسف بن تاشفين أن قتل من النصارى عشرة آلاف رجل، وذلك بعد العصر، حتى قال المؤرخون: إن يوسف بن تاشفين الأمير على ثلث أفريقيا كان في هذه الموقعة يتعرض للشهادة؛ فيلقي بنفسه في المهالك رحمه الله ورضي الله عنه وعن أمثاله، وتزداد الموقعة في الحدة حتى قبيل المغرب، ثم يشير يوسف بن تاشفين رحمه الله إلى الأربعة آلاف فارس، فيأتون من بعيد يستأصلون النصارى، فقد قتل في موقعة الزلاقة من النصارى تسعة وخمسين ألف وخمسمائة وخمسين رجلاً، نجا منهم أربعمائة وخمسون فارساً فقط! فيهم ألفونسو السادس بساق واحدة، فقد بترت ساقه في موقعة الزلاقة، وانسحب في جنح الظلام هو وأربعمائة وخمسين فارساً إلى طليطلة، وهناك دخلوا طليطلة بمائة فارس فقط، فقد مات في الطريق ثلاثمائة وخمسون فارساً من الجراح المثخنة في موقعة الزلاقة.
موقعة الزلاقة تقاس بلا مبالغة بموقعتي اليرموك والقادسية.