بدأ محمد بن تومرت وجماعته يقاتلون المرابطين والتقوا مع المرابطين في تسعة مواقع ضخمة جداً في تاريخ المسلمين، انتصر محمد بن تومرت في سبعة مواقع منها، وهزم في موقعتين، فعلى سبيل المثال: الموقعة الأولى في سنة (٥١٨هـ) قتل فيها من المرابطين خمسة عشر ألفاً من المسلمين على يد جماعة الموحدين، أهذا هو نهج الله ونهج رسوله الكريم؟ يقتل خمسة عشر ألف مسلم من المرابطين الذين كانوا شوكة كبيرة في حلوق النصارى سنوات طويلة.
وموقعة ثانية: موقعة البحيرة أو البستان في سنة (٥٢٤هـ) انتصر فيها المرابطون على الموحدين، وقتل فيها من الموحدين أربعون ألفاً، وهكذا فإن عدد القتلى من المسلمين في جميع المواقع بين الموحدين والمرابطين يزيد على ثمانين ألف مسلم، من سنة (٥١٢هـ -٥٤١هـ) أي: في غضون (٢٨) سنة، إلى أن قامت دولة الموحدين على دماء أكثر من ثمانين ألف مسلم، أهذا هو النهج الصحيح للتغيير الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فالطريق الذي سار فيه محمد بن تومرت ومن معه مخالف للطريق الذي سار فيه الشيخ عبد الله بن ياسين ومن معه من قبل، مع أن كليهما وصل في الأخير للحكم! وأتعجب كثيراً كيف يسير محمد بن تومرت هذا الطريق، وقد رسم له السابقون الطريق الصحيح الذي ليس فيه دماء المسلمين، وليس فيه تشريد وقتل وذبح لأمة كبيرة من المجاهدين مثل أمة المرابطين؟ وفي سنة (٥٢٤هـ) يموت محمد بن تومرت، وقبل آخر لحظة من حياته كان يأمر الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والزهد في الدنيا واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع نهج الخلفاء الراشدين، وعدم المكوث أبداً عن الجهاد في سبيل الله، لكن على فهمه وطريقته التي ذكرناها، وأمر الناس أن يسمعوا ويطيعوا لـ عبد المؤمن بن علي ما أطاع الله فيهم.
ويدل كلام محمد بن تومرت على أنه من أكبر علماء المسلمين ومن أكبر المجاهدين، وكان بحق من العلماء كما ذكرنا، لكن كانت عنده أشياء عجيبة في أسلوب التغيير من العنف الشديد في التغيير، والمخالفات العقائدية، والخروج عن الحكام وتكفير المسلمين وقتلهم، مع أن الحكام قد أقاموا شرع الله سبحانه وتعالى، مع وجود بعض المخالفات في بعض الجزئيات، فكان الواجب عليه أن يقومهم بالتي هي أصلح، وكانت النتيجة أن قامت للمسلمين دولة على دماء ثمانين ألف مسلم، فتولى عبد المؤمن بن علي الأمور في جماعة الموحدين من بعد محمد بن تومرت في سنة (٥٢٤هـ)، واستمر يقود الجماعة إلى أن سقطت دولة المرابطين السنية المجاهدة في سنة (٥٤١هـ) على إثر مجزرة شديدة جداً داخل مراكش، قتل فيها معظم المرابطين الذين كانوا في مدينة مراكش، وتملك الموحدون الحكم في البلاد سنة ٥٤١هـ.
نحن ندرس التاريخ لكي نتعلم، ولكي لا نكرر أخطاء السابقين، بل نكرر ما فعله الصالحون من المسلمين في سنوات الإسلام السابقة التي فيها الكثير من الصلاح، وعلينا أن نستفيد الاستفادة الكاملة من هذه الخطوات.
فماذا حدث مع دولة الموحدين بعد أن قامت على هذه الدماء؟ وماذا فعل عبد المؤمن بن علي في قيادته لدولة الموحدين من سنة (٥٤١هـ) إلى ما بعدها من السنوات؟ وهل صلحت الأفكار التي كانت في ذهن الموحدين عن عصمة محمد بن تومرت ومهديته، وعن كونهم يفسقون غيرهم من المسلمين؟ هذا ما سوف نتدارسه في الحلقة القادمة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً كثيراً.