لما سمع علي بن يوسف بن تاشفين بـ محمد بن تومرت أنه يدعو الناس إلى الخروج عليه فكر في عقد مناظرة بين محمد بن تومرت وبين علماء دولة المرابطين في ذلك الزمن في قصر الإمارة، فأتى بـ محمد بن تومرت وبعلماء المرابطين وبدأ الفريقان في المناظرة، وكان على رأس علماء دولة المرابطين مالك بن وهيب رحمه الله كبير علماء دولة المرابطين، وكان قاضي القضاة في ذلك الوقت.
وهذا يبين لنا أن دعوة علي بن يوسف بن تاشفين للمناظرة كان فيه خير كثير، فقد كان يمكنه أن يأخذ محمد بن تومرت ويضعه في السجن أو يقتله أو يعتقله أو يفعل به ما يشاء.
وفي تلك المناظرة تفوق محمد بن تومرت عليهم تفوقاً عظيماً؛ لأنه كان بحراً متفجراً من العلم وشهاباً في الدين كما ذكر ابن خلدون، فاستطاع محمد بن تومرت أن يحاجهم جميعاً في كل القضايا التي أثيرت بينه وبينهم، حتى إن علي بن يوسف بن تاشفين بكى في مجلسه لما رأى كثرة المعاصي في البلد وهو لا يدري عنها شيئاً، أو يدري عنها ولا يغيرها، لكن كانت الحدة واضحة جداً في كلام محمد بن تومرت، وكانوا يعلمون أنه يحرض الناس على الخروج على الحاكم، فأسر مالك بن وهيب قاضي القضاة في أذن علي بن يوسف بن تاشفين وقال له: عليك أن تعتقل هذا الرجل وتنفق عليه ديناراً في كل يوم في السجن، وإلا ستمر عليك الأيام فتنفق عليه كل خزائنك دون أن تقدر عليه، لكن الوزير نصحه بعدم اعتقال محمد بن تومرت، فقال له: لو اعتقلته ستكون متناقضاً مع نفسك، لأنك بكيت من خشية الله سبحانه وتعالى لما سمعت كلامه وحججه، وهذا يكون فيه بلبلة عند عموم الناس، وأيضاً هو رجل واحد ومعه ستة من البشر، وأنت حاكم دولة المرابطين، فكيف تخشى من هذا الرجل؟ فأطلق علي بن يوسف بن تاشفين سراح محمد بن تومرت، ولم يحبسه دون وجه حق.