سؤال آخر قد يخطر على الذهن وهو: كيف كان الوضع في بلاد الأندلس وأوروبا؟ وكيف تغيرت بعد دخول المسلمين إليها؟ الواقع أن أوروبا في ذلك الوقت كانت تعيش في فترة من فترات الجهل العظيم المنتشر في كل الأرض، وبعد كبير جداً عن كل مناهج العدل التي نشرها الإسلام بعد ذلك، وظلم بيّن من الحكام للمحكومين فالأموال الكثيرة والخيرات في يد الحكام أما الشعوب فهي تعيش في بؤس كبير.
والحكام اهتموا كثيراً ببناء القصور والقلاع والحصون بينما يعيش عامة الشعب في فقر شديد، وعموم الناس يزرعون الأراضي وكانوا يباعون ويشترون كالمتاع في هذا الزمان، وهناك انتهاك للحرمات وأخلاق متدنية، وبعد حتى عن مقومات الحياة الطبيعية، فالنظافة مختفية بالمرة، لدرجة أن الناس كانوا يتركون شعورهم تنسدل على وجوههم ولا يقصونها، ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين، ويظنون أن هذه الأوساخ التي تتراكم على أجسادهم هي صحة لهذا الجسد، وهي خير وبركة لهذا الجسد! والمشكلة الكبيرة جداً هي عندما يذهب أحدهم ليغتسل، والرحالة المسلمون الذين دخلوا إلى اسكندنافا وجدوا الناس يتفاهمون بالإشارة، أي: ليست لهم لغة منطوقة فضلاً عن أن تكون مكتوبة، فهذه البلاد كانت تعيش في جهل وفي ظلم وفي فقر، وكان في هذه البلاد بعض أفعال الهنود والمجوس من حرق للمتوفى عند موته، وحرق لزوجة المتوفى معه وهي حية، أو الحرق لجاريته، أو من يحبه من الناس معه وهو حي والناس تشاهد وتعلم هذا الأمر، وكانت هذه البلاد تعيش في ظلم وفقر وضياع كبير جداً عن أي وجه من وجوه الحضارة، ثم لننظر ماذا فعل الإسلام في هذه البلاد؟ كانت هذه مقدمة لدراسة تاريخ الأندلس، وبإذن الله من الحلقة القادمة نتحدث عن تاريخ الأندلس بالترتيب الزمني منذ الفتح سنة ٩٢ هـ إلى السقوط في سنة ٨٩٧ هـ.
وكما ذكرنا نؤكد ونعيد ونقول أن هذه المحاضرات ما هي إلا فتح الطريق لدراسة تاريخ الأندلس وليست هي كل تاريخ الأندلس، فتاريخ الأندلس يضم أكثر من ٨٠٠ سنة كما ذكرنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً كثيراً.