عاد الناصر لدين الله من إشبيلية منسحباً أكثر وأكثر إلى بلاد المغرب العربي واعتكف في قصره، واستخلف ابنه وهو يبلغ من العمر عشر سنوات؛ استخلفه على الحكم ليكون ولياً للعهد من بعده، والله سبحانه وتعالى لا يرضى عن هذه الأفعال، يموت الناصر لدين الله بعد هذا الاستخلاف بعام واحد سنة (٦١٠هـ) وهو يبلغ من العمر (٣٤) سنة فقط، فيتولى حكم البلاد ابنه المستنصر بالله ويبلغ من العمر (١١) سنة، ومن جديد يوسد الأمر لغير أهله، وتضيع الأمانة من جديد كما ضاعت في عهد هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر، وكيف قامت الدولة العامرية وكيف حدث ما يسمى بعهد ملوك الطوائف بعد تولية الأمر لغير أهله؟ هكذا يتولى المستنصر بالله وتتوالى الهزائم على المسلمين، كانت موقعة العقاب في سنة (٦٠٩) من الهجرة، بعد سنوات طويلة جداً من السيادة والتمكين لدولة الموحدين، وسنة الله سبحانه وتعالى في أرضه وفي خلقه أنه كلما ارتفع المسلمون وكثرت الأموال وفتحت عليهم الدنيا وأهمل المسلمون الشرع واعتدوا بآرائهم ونبذوا الشورى وتركوا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ظهرت الهزائم والمكائد والانحدارات والانكسارات والانهيارات إلى أجل بعيد.
وبعد موقعة العقاب ظهرت بعض الأمراض في الجيوش القشتالية فاضطروا للعودة، وهذا مد في عمر الأندلس بضع سنوات أخرى في سنة (٦١٤) أي: بعد موقعة العقاب بخمس سنوات، ونظراً لتردي الأوضاع في بلاد المغرب، وتولي المستنصر السلطة وهو طفل ظهرت حركة جديدة للاستقلال عن الموحدين، وأنشأت دولة سنية جديدة من قبيلة زناته في بلاد المغرب، هذه الدولة سيكون لها شأن كبير في الأندلس بعد ذلك، وهي: دولة بني مرين في سنة (٦١٤هـ).
وفي سنة (٦٢٠هـ) سقطت جزر البليار على يد ملك أراجون بمساعدة إيطاليا، وقتل في جزر البليار عشرون ألفاً من المسلمين، واستقل بنو حفص بتونس، وانفصلوا بها عن دولة الموحدين، وفي نفس السنة مات أمير الموحدين المستنصر وهو يبلغ من العمر (٢١) سنة فقط، ودار صراع شديد على السلطة فهو لم يستخلف ثم كانت ولاية عبد الواحد عم أبيه من بعده ولكنه خلع وقتل وتولى عبد الله العادل.
أصبح يتولى الرجل الحكم في دولة الموحدين مدة أربع أو خمس سنوات فقط ثم يقتل ويأتي غيره، وسارت الدولة نحو هاوية سحيقة.