[ظهور الخلاف بين أبي عبد الله الصغير وأبيه الغالب بالله وعمه الزغل وأثر ذلك في سقوط الأندلس]
كان الغالب بالله حاكم غرناطة متزوجاً من امرأة اسمها عائشة عُرفت في التاريخ بـ عائشة الحرة وكانت له جارية نصرانية اسمها الثريا، ففتن بها جداً وغرق في عشقها، وأنجبت له ولداً اسمه يحيى، وأثّرت عليه حتى جعلت يحيى هو وريث عرش غرناطة، والمؤهل للحكم رسمياً هو ابن عائشة الحرة الذي هو محمد أبو عبد الله، الملقب بـ الصغير تفريقاً بينه وبين عمه أبو عبد الله محمد الذي هو الزغل، فقد كان أصغر من عمه في سنه وفي مقامه.
والذي حصل في بلاد غرناطة أن الغالب بالله حتى يضمن ولاية العهد لـ يحيى ابنه من ثريا الجارية النصرانية قام بحبس ابنه الآخر أبي عبد الله محمد الصغير وحبس عائشة في قصر كبير، وقيّد حركتهما تماماً، وكثير من الشعب يأبون أن يقوم بالحكم رجل أمه جارية نصرانية، فقد كانوا مؤيدين لـ أبي عبد الله محمد الصغير أن يكون وريثاً لعرش أبيه بعد عمر طويل، فاستطاع الشعب تخليص الأم والابن من السجن، وقام أبو عبد الله محمد الصغير بثورة على أبيه، وتولى الحكم في بلاد غرناطة، وطرد أباه من بلاد غرناطة إلى الجنوب، فذهب الأب إلى أخيه الزغل في ملقة، وهكذا قُسِّمت البلد من جديد إلى قسمين، وكما يقولون: هم يضحّك وهم يبكّي، فانقسمت غرناطة إلى قسمين: قسم عليه الصغير في غرناطة، وقسم عليه الزغل وتحت حمايته أخوه الغالب بالله، فاستغل ملك إسبانيا فرديناند الثالث الموقف، وبدأ يهاجم حصون غرناطة؛ لأن هناك خلافاً وانشقاقاً داخل البلد، وبدأ يحاربه الصغير، وكانت هناك معاهدات بين الغالب بالله وبين ملك إسبانيا، لكن الصغير كان مخالفاً لنهج الغالب بالله، فقامت بينه وبين ملك إسبانيا حرب، فأُسر من قبل ملك إسبانيا، فاستطاع الزغل أن يضم غرناطة إلى أملاكه، فأصبحت غرناطة مملكة واحدة من جديد تحت إمارة الزغل والغالب بالله أبي محمد الصغير، وبعد سنة مات الغالب بالله همّاً وكمداً من الذي حدث في البلاد، لكن هذا ما جنته عليه نفسه.
وعرض الزغل على ملك إسبانيا أن يسترد الصغير بأموال كثيرة لكن ملك إسبانيا رفض، فهو يفكّر في لعبة خطيرة جداً، فقد تعاقد مع الصغير وكان عمره (٢٥) سنة، على أن يمكّن له في حكم بلاد غرناطة، بشرط أن يطرد منها الزغل بالكلية، وذلك بأن يشعل ثورة في شمال غرناطة، وملك إسبانيا يحاصر بجيشه ملقة من الجنوب، فبذلك تصبح غرناطة بين فكي كماشة، فإذا أتى الزغل إلى الجنوب لمحاربة ملك إسبانيا في ملقة فإن الصغير يدخل غرناطة ويسيطر عليها، فإذا تمكن النصارى من الاستيلاء على ملقة فإنها ستصير ملكاً لـ محمد الصغير ويصبح حاكماً على غرناطة باسم ملك إسبانيا، فوافق الصغير وسار بجيشه إلى شمال غرناطة، واتجه ملك إسبانيا فرديناند الثالث بجيوشه إلى ملقة، وتوجه الزغل سريعاً إلى ملقة لحرب النصارى هناك، لكنه لم يستطع مقاومتهم واستطاع النصارى أن يأخذوا ملقة منه، فعاد مسرعاً إلى غرناطة فوجدها في يد الصغير، فانطلق إلى شرق غرناطة إلى واد يسمى: وادي آش، واستقل بها وأخذها وأقام فيها جزءاً من مملكته، فصارت غرناطة كل وقت تتقلص وتتقسم نصفين، فهناك جزء في الشرق اسمه وادي آش على رأسه الزغل، وجزء الذي هو غرناطة على رأسه الصغير، وجزء الذي هو ملقة أخذه ملك إسبانيا، ومن المفروض أنه يرجعه للصغير فقد طلب من ملك إسبانيا أن يعيد له ملقة كما اتفقا، فقال له ملك إسبانيا: إن أنا سحبت جيوشي من هذه البلاد أتى الزغل وأخذها، فأنا سوف أُبقي جيوشي لحمايتك ثم أخذ ملقة، ثم مرت شهور واسترق أهل ملقة جميعاً، ولم يرع المعاهدة التي تمت بينه وبين الصغير، لكن هذا ديدنهم وهذه هي طبيعتهم، قال تعالى:{لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً}[التوبة:١٠]، فـ الصغير معه ولاية غرناطة، وملقة في يد ملك إسبانيا، ثم انطلق ملك إسبانيا من ملقة إلى ألمرية وهي على ساحل البحر المتوسط واحتلها في سنة (٨٩٥هـ)، ومنها توجه إلى وادي آش الذي هو بيد الزغل فأخذه منه، فهرب الزغل إلى تونس وترك البلاد بما فيها من المسلمين، وهكذا يفعل ملوك ذلك الزمان، وهكذا حوصرت مدينة غرناطة وقرى غرناطة ومز