صورة من مملكة سرقسطة في الشمال الشرقي من الأندلس بالقرب من فرنسا، كان يحكمها بنو هود كما ذكرنا في الدرس السابق، والرجل الحاكم في هذه البلاد لما أتاه مرض الموت يريد يستخلف من بعده، وكان لديه ولدان الولد الكبير يستحق الملك من بعده كما هي العادة في ذلك الزمان في توارث الحكم.
والولد الصغير أنجب من الكبير، فأراد هذا الملك ألا يظلم أحد الولدين، فعمل شيئاً غريباً جداً، فقسم البلد والأرض إلى نصفين بما في ذلك الشعب والجيش من أجل ألا يظلم أحد أبنائه، لكنه ظلم الشعب كله.
ولما مات اختلف الأخوان على الحدود فبدأ أحدهما يهجم على أخيه ليحرر أرضه، لكن لم يكن له طاقة بالهجوم؛ لأن الجيش والبلد مقسومان بينهما على النصف لكل واحد منهما، والكيان ضعيف جداً، فاستعان هذا الأخ الحاكم بملك نصراني ليحرر له أرضه من أخيه المسلم، ولسان حاله: ليست مشلكة أن أحضر النصراني لكي يساعدني في تحرير الأرض الإسلامية التي أخذها مني أخي، وليست مشكلة أن يأخذ الحاكم النصراني الأرض ويضمها لأملاكه، وهذه دولة صديقة مجاورة، وهي دولة أراجون ستساعدني في أن آخذ حقي من أخي، وأتى النصارى بالفعل ودخلوا البلاد وفي طريقهم عملوا مآسي لا تحصى في المسلمين في مملكة سرقسطة، أذكر منها على سبيل المثال: ما حدث في بربشتر عرفت في التاريخ بمآساة بربشتر، اسمع وافهم وانظر إلى ما يحدث في هذا العصر الآن في بلاد البوسنة والهرسك وفي كشمير وفي كوسوفا وفلسطين وفي غيرها من البلاد، وقارن بينه وبين ما كان يحدث في التاريخ، فقد حاصر النصارى بربشتر أربعين يوماً، والمسلمون في داخل بربشتر يستغيثون بكل أمراء المؤمنين في كل أرض الأندلس ولا يتحرك أحد؛ لما في القلوب من رهبة شديدة من النصارى، وليست لهم بهم طاقة، وأخيراً تفاوض النصارى مع المسلمين وفتحت بربشتر، وكانت النتيجة أن قتل في يوم واحد من المسلمين (٤٠) ألفاً كما في رواية ياقوت الحموي، وفي رواية أخرى (١٠٠) ألف، وسبيت سبعة آلاف فتاة بكر منتخبة، أي: أجمل سبعة آلاف فتاة بكر في المدينة، وأعطيت هدية لملك القسطنطينية، وكانوا ينتهكون حرمات البكر أمام أبيها، وحرمات الزوجة أمام زوجها، هكذا فعل في بربشتر، فهذه مأساة ضخمة جداً، واستغاثة من كل بلاد المسلمين ولم يتحرك أحد.