سوف أحكي لكم موقفاً عجيباً حدث في إشبيلية، وهو أن امرأة المعتمد على الله بن عباد شاهدت من شباك قصرها الضخم جداً الجواري يلعبن في الطين خارج القصر، فاشتهت أن تلعب بالطين، وليس معقولاً أن امرأة الأمير تلعب في الطين، فاشترى كميات كبيرة جداً من المسك والعنبر وماء الورد وخلطها حتى جعلها طيناً خاصاً بالملوك، وصرف عليه أموالاً ضخمة من بيت مال المسلمين، وأمرها أن تلعب في هذا الطين الخاص يوماً أو يومين، حتى ضاقت من اللعب في الطين، فرجعت إلى قصرها مرة أخرى.
ومرت الأيام -سبحان الله- وضاع ملكه، وفي يوم من الأيام بعدما ضاع هذا الملك الكبير قعد معها فأغضبها فقالت له كعادة النساء لما تغضب من الأزواج: ما رأيت منك خيراً قط، فقال لها: ولا يوم الطين، فسكتت واستحت.
انظر إلى السفه في المسلمين، ومع ذلك فقد وصف أحد الشعراء المعتمد على الله بن عباد بكل ما أوتي من صفات العزة والكرامة والمجد والبأس، والإعلام في ذلك الوقت كان يصوره بهذه الصورة، وهذا مخالف ولا شك للواقع.
لكن مع كل هذا التفخيم والتعظيم لهؤلاء الأمراء فقد كانت هناك محاولات من المصلحين تحاول أنها تغير، ودعوات إصلاحية لكن كانت مكبوتة، وأحد الشعراء يصف هذا العهد بقوله: مما يزهدني في أرض أندلس ألقاب معتضد فيها ومعتمد يعني: الشيء الذي يكرهني ويجعلني أزهد في أرض الأندلس وأتركها هو أن فيها ألقاباً ضخمة جداً، نحو: معتضد بالله، ومعتمد على الله، فـ المعتضد بالله هو أبو المعتمد على الله وهما من حكام إشبيلية.
فقال: مما يزهدني في أرض أندلس ألقاب معتضد فيها ومعتمد ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد أي: أن القطة تنتفخ انتفاخاً فتحكي صولة الأسد، وأين الهر من الأسد؟ هكذا كانوا يتسمون بأسماء ضخمة في بلاد الأندلس، كان هناك قادر بالله ومعتصم بالله ومستكفي بالله ومؤيد بالله، والمعتمد على الله كان يدفع جزية لـ ألفونسو السادس مع أن إشبيلية في الجنوب الغربي من بلاد الأندلس، يعني: أنها بعيدة عن مملكة قشتالة ومع ذلك كان يدفع الجزية لملك قشتالة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وكان يسمي نفسه معتمداً على الله ولكنه كان في الواقع معتمداً على ألفونسو السادس.