المعروف أن بلاد الأندلس سابقاً وإسبانيا والبرتغال حالياً من أقل بلاد العالم تعداداً للمسلمين، حيث أن عدد المسلمين في إسبانيا بعد أن حكمت بالإسلام ثمانية قرون مائة ألف فقط، يعني أقل من المسلمين في مدينة من مدن أمريكا، فإن مدينة دالاس فيها مائة ألف مسلم، وهذا أمر في منتهى الغرابة! فالإسلام انتهى بالكلية من بلاد الأندلس كأفراد وكشعوب، ولن ينتهي من بلاد المسلمين الأخرى التي استعمرت استعماراً صليبياً، وقد طال في بعض الفترات، فمثلاً: احتلت الجزائر لمدة (١٣٠) سنة، ومصر (٧٠) سنة، وكذلك احتل غيرها من البلاد، وفلسطين ما يقارب (٢٠٠) سنة على يد الصليبيين، ومع ذلك لم يتغير المسلمون في البلاد، فقد ظلوا مسلمين وإلى الآن.
وللمزيد من الإجابة عن هذا السؤال: أن الاستعمار الأسباني في بلاد الأندلس كان استعماراً استيطانياً إحلالياً، لا يدخلون بلداً إلا قتلوا من فيه من المسلمين جميعاً، فهي حروب إبادة رهيبة، أو يطردونهم إلى خارج البلد ويأتون بالنصارى من أماكن مختلفة إلى بلاد الأندلس، وبذلك لم يبق في بلاد الأندلس مسلمون، وهؤلاء الذين حكموا البلاد وعاشوا فيها بعد ذلك كانوا نصارى أبناء نصارى، وهذا على عكس الاحتلال في البلاد الإسلامية الأخرى كمصر والجزائر وليبيا وسوريا وغيرها، فإن الاحتلال فيها كان بالجيوش لا بالشعوب، واحتلال الجيوش مصيره إلى الخروج، وهذا يذكرنا بشيء في غاية الأهمية، وهو أن الاحتلال الاستيطاني الذي حدث في الأندلس لم يتكرر في بلاد العالم إلا في مكان واحد يخص المسلمين وهو فلسطين، ففلسطين والله ما هي إلا أندلس جديدة، وما يفعله اليهود الآن من تهجير اليهود إلى أرض فلسطين وإبادة الشعب الفلسطيني أو طردهم وتشريدهم، وإصرارهم على عدم عودة اللاجئين، والإكثار من المستعمرات ما هو إلا خطوة من خطوات إحلال الشعب اليهودي مكان الفلسطيني، حتى يضمن البقاء بعد ذلك لفترات متلاحقة وطويلة، والشعب الفلسطيني المشرد مصيره إلى النسيان، وسينساه العالم، بل وقد ينسى الفلسطينيون المشردون القضية، كما نسيها أهل الأندلس الذين هاجروا إلى بلاد المغرب وتونس والجزائر بعد عام أو عامين أو عشرة أعوام أو مائة عام، فقد مر على سقوط الأندلس (٥٠٠) عام، فمن يفكر في تحريرها؟ فهكذا يريد اليهود بتهجير اليهود إلى بلاد فلسطين لإحلال الشعب اليهودي مكان الشعب الفلسطيني، فقضية فلسطين شديدة الشبه بالأندلس، ولا بد أن يعتبر المسلمون.