للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[استشهاد الشيخ عبد الله بن ياسين وتولية أبي بكر بن عمر زعامة جماعة المرابطين]

شاء الله أن يستشهد الشيخ عبد الله بن ياسين رحمه الله وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في قبيلة من القبائل فحاربوه وقاتلوه، فقاتلهم فاستشهد رحمه الله في سنة (٤٥١هـ) أي: أنه ظل (١١) سنة يدعو إلى الله من سنة (٤٤٠هـ) إلى سنة (٤٥١هـ)، وخلف من ورائه (١٢٠٠٠) رجل يعلمون المنهج الصحيح للإسلام، ويتولى من بعده الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامة جماعة المرابطين، ويظل سنتين في زعامة هذه الجماعة الناشئة، حتى عرفوا في التاريخ بدويلة المرابطين، وهي دويلة صغيرة لا ترى على الخارطة، تمتد من شمال السنغال إلى جنوب موريتانيا.

وفي سنة (٤٥٣هـ) يعلم أبو بكر بن عمر اللمتوني أن هناك خلافاً بين المسلمين في جنوب السنغال في منطقة بعيدة عن دويلة المرابطين، وأن هذا الخلاف شر، وأنه لو استشرى بين الناس فلن يكون هناك مجال للدعوة، فسار بجيشه ليحل الخلاف، مع أن الناس ليسوا في جماعته ولا في قبيلته، وكان عدد الذين ساروا معه سبعة آلاف رجل، أي: نصف عدد أفراد جماعته الذين بلغ عددهم أربعة عشر ألف رجل، وأمّر على دولة المرابطين ابن عمه يوسف بن تاشفين رحمه الله، فاستطاع أبو بكر بن عمر رحمه الله أن يحل الخلاف، لكنه يفاجأ أن في جنوب السنغال بجوار هذه القبائل المتصارعة هناك قبائل وثنية، لا تعبد الله بالكلية، إنما تعبد الأشجار والأصنام وما إلى ذلك، فهذه القبائل لم يصل إليها الدين بالمرة، فحز ذلك في نفسه، فقد تعلم من الشيخ عبد الله بن ياسين أن يغير الأمور بنفسه وأن يحمل هم المسلمين والناس أجمعين، حتى وإن لم يكونوا مسلمين، فصار يعلمهم الإسلام، ويعرفهم الدين، فيتعلمون ويجدون أمراً عجباً، وهو أن هذا الدين المتكامل الشامل فيه كل شيء، وهم يعيشون في أدغال أفريقيا، ويفعلون أشياء عجيبة، فيعبدون أصناماً غريبة، ولا يعرفون رباً ولا إلهاً، فأخذ يعلمهم بصبر شديد، فدخل منهم جمع في الإسلام وقاومه آخرون من أهل الباطل الذين يحافظون على مصالحهم، ويستفيدون من وجود هذه الأصنام، فصارعهم والتقى معهم في حروب طويلة، وظل يتوسع في قبيلة تلو قبيلة، وينزل من مكان إلى مكان، حتى عاد بعد ذلك إلى بلاد المرابطين سنة (٤٦٨هـ) أي: استمر خمس عشرة سنة يدعو إلى الله في أدغال أفريقيا.

أما الشيخ يوسف بن تاشفين فإنه اتجه إلى جنوب المغرب العربي، وشمال موريتانيا، فوجد أموراً عجيبة، فعلى سبيل المثال: قبيلة غمارة من قبائل البربر هناك، قد ظهر فيها رجل اسمه حاميم بن من الله ادعى النبوة، وهو من المسلمين، ولم ينكر نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ يشرع للناس شرعاً والناس يتبعونه في ذلك، ويظنون أن هذا هو الإسلام، ففرض عليهم صلاة في الشروق وصلاة في الغروب فقط، وألف لهم قرآناً بالبربرية، ووضع عنهم الوضوء والطهر من الجنابة وفريضة الحج، وحرم عليهم أكل بيض الطيور، وأحل أكل أنثى الخنزير، وحرم أكل السمك حتى يذبح، لكن اللافت للنظر أن الناس يعتقدون أن هذا هو الإسلام.

وقبيلة أخرى من قبائل البربر وهي قبيلة برغواطة كان رئيسها صالح بن طريف بن شمعون، وأصل جده يهودي ثم أسلم، ثم جاء الحفيد صالح وادعى النبوة، وفرض على الناس خمس صلوات في الصباح وخمس صلوات في المساء، وفرض عليهم نفس وضوء المسلمين بالإضافة إلى غسل السرة وغسل الخاصرتين، وفرض عليهم الزواج من غير المسلمات فقط، والزواج بأكثر من أربع نسوة، وفرض عليهم تربية الشعور للرجال وظفرها.

وقبيلة أخرى وجدها تعبد الكبش وتتقرب إلى رب العالمين بذلك، وكانت في جنوب المغرب، في البلد التي فتحها عقبة بن نافع ثم موسى بن نصير رضي الله عنه عنهم ورحمهما الله.

فشق ذلك على يوسف بن تاشفين رحمه الله، فانطلق إلى الشمال يدعو الناس للإسلام فقاومه وحاربه كل من صالح بن طريف، وحاميم بن من الله وقبائلهما، وكذا قبيلة زناتة السنية التي كانت لا تعرف الإسلام إلا في جانب العبادات والعقيدة، فهم يصلون كما تنبغي أن تكون الصلاة، ويزكون كما تنبغي أن تكون الزكاة، لكنهم يسلبون وينهبون ما حولهم، والقوي فيهم يأكل الضعيف، فقد فصلت الدين تماماً عن قيادة الأمة، فالدين عندهم صلاة وصيام وحج، لكن غير ذلك من المعاملات فقد كانوا يفعلون ما بدا لهم.

فأخذ يوسف بن تاشفين يدعو هؤلاء للإسلام، فدخل معه بعضهم، أما المعظم فحاربهم بالسبعة آلاف رجل حتى أخضعهم للإسلام.

عاد الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني في سنة (٤٦٨هـ) فرأى أن يوسف بن تاشفين قد استولى على مساحات شاسعة تمتد من شمال السنغال إلى جنوب موريتانيا؛ وتشمل حالياً: السنغال بأكملها، وموريتانيا بأكملها، والمغرب بأكملها، والجزائر بأكملها، وتونس بأكملها، أي: صار أميراً على دولة واحدة تمتد من تونس إلى السنغال، وو

<<  <  ج: ص:  >  >>