[سبب اختيار دراسة تاريخ الأندلس]
والمسلم يدرس التاريخ بصفة عامة وتاريخ الأندلس بصفة خاصة لما يلي: أولاً: الأندلس تاريخ يشمل (٨٠٥) سنوات كاملة مرت بالتاريخ الإسلامي، من سنة (٩٢ هـ إلى سنة ٨٩٧ هـ) وكان له تداعيات بعد فترة ٨٩٧ هـ.
ومن العجيب أن المسلمين لا يعرفون هذه الفترة الكبيرة جداً، والتي تمثل أكثر من ثلثي التاريخ الإسلامي، ولا يعرفون بتفاصيل هذا التاريخ.
ثانياً: إن تاريخ الأندلس لكبر حجمه وجد فيه كثير من دورات التاريخ، فسنن الله فيه واضحة تماماً، ففيه كثير من الدول قامت وسقطت، وكثير من الدول أصبحت قوية وفتحت ما حولها من البلاد، وكثير منها سقطت وتهاوت وأصبحت مع الدول المنهزمة التي نسمع عنها في هذه الآونة.
وظهر في تاريخ الأندلس المجاهد الشجاع، والخائف الجبان، والتقي الورع، والمخالف لشرع ربه سبحانه وتعالى، والأمين على نفسه وعلى دينه وعلى وطنه، والخائن لنفسه ولدينه ولوطنه فقد ظهرت كل هذه النماذج، سواء في الحكام أو المحكومين، أو العلماء أو عوام الناس.
إذاً: دراسة هذه الأمور تفيد كثيراً في استقراء المستقبل القادم على المسلمين.
فالكثير من المسلمين لا يعرفون تفاصيل موقعة وادي برباط، وهي من أهم المواقع في التاريخ الإسلامي، فقد فتحت فيها الأندلس، فهي موقعة ضارية تشبّه بموقعتي اليرموك والقادسية، ولا يعرفون عن حرق السفن التي حدثت في عهد طارق بن زياد رحمه الله، وكثير من الناس لا يعلم من هو عبد الرحمن الداخل رحمه الله، الذي قال عنه المؤرخون: لولا عبد الرحمن الداخل لانتهى الإسلام بالكلية من بلاد الأندلس.
ولا يعرفون تفاصيل حياة عبد الرحمن الناصر أعظم ملوك أوروبا في القرون الوسطى على الإطلاق، وكيف وصل إلى هذه الدرجة العالية، وكيف أصبح أكبر قوة في العالم في وقته.
وكذا يوسف بن تاشفين رحمه الله القائد الرباني وصاحب موقعة الزلاقة، الذي نشأ نشأة إسلامية وربى الناس على حياة الجهاد، وتمكن من الأمور، وساد دولة ما وصل المسلمون إلى أبعادها في كثير من الفترات.
وأبو بكر بن عمر اللمتوني المجاهد الذي أدخل الإسلام في أكثر من خمس عشرة دولة إفريقية.
وأبو يوسف يعقوب المنصور صاحب موقعة الأرك الخالدة، التي دُكّت فيها حصون الصليبيين وانتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً.
فمن يسمع عن دولة المرابطين المجاهدة؟ ومن يسمع عن دولة الموحدين وكيف قامت؟ ومن يعرف مسجد قرطبة؟ وكيف كان أوسع المساجد في العالم في زمانه ولأزمان متلاحقة بعد ذلك؟ وكيف حوّل إلى كنيسة؟ وما يزال إلى اليوم كنيسة.
ومن يسمع عن مسجد إشبيلية العجيب؟ ومن يسمع عن جامعة قرطبة والمكتبة الأموية؟ ومن يسمع عن قصر الزهراء، ومدينة الزهراء، ومدينة الزاهرة، وقصر الحمراء، وغيرها من الأماكن الخالدة في الأندلس والتي إلى الآن تزار من عموم الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
ومن يسمع عن موقعة العقاب التي هزم فيها المسلمون هزيمة ساحقة، وكانوا يفضلون غيرهم في العدد والعدة، وكأن حنيناً تتكرر من جديد؟ قال عنها المؤرخون: بعد موقعة العقاب لم يُر في الأندلس أو في المغرب شاب صالح للقتال.
فقد هلك فيها أكثر من ثمانين ألف مسلم.
كيف سقطت الأندلس؟ وما هي عوامل السقوط التي إن تكررت في أمة المسلمين سقطت لا محالة؟ لأن لله سنناً ثابتة كما ذكرنا.
ثم كيف سطعت شمس الإسلام في القسطنطينية بعد سقوط الأندلس؟ وكيف كان التزامن بين سقوط الأندلس في الغرب وانتشار الإسلام في الشرق عند أوروبا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده؟ وما هي مأساة بلنسية وقتل ستين ألف مسلم في يوم واحد؟ وما هي مأساة أبدة وقتل ستين ألف مسلم آخرين في يوم واحد؟ وما هي مأساة بربشتر وقتل أربعين ألف مسلم في يوم واحد، وسبي سبعة آلاف بكر من فتيات بربشتر، وكأنها البوسنة والهرسك في تاريخنا، نشاهدها الآن لكن لا نعرف أن لها أصولاً وجذوراً قديمة، وكيف تصرف المسلمون وتخلصوا من هذه المآسي الضخمة؟ لو عرفنا لاستطعنا أن ننهض بأمتنا الآن.
تاريخ الأندلس ثروة حقيقية ضخمة جداً من العلم والخبرة والعبرة، وصفحات طويلة جداً أكثر من ٨٠٠ سنة.
تحتاج أن تقرأها في سنوات كثيرة، والأندلس ركن صغير بعيد في الدولة الإسلامية الضخمة، والعمل الذي يجب أن تفعله هو ألا تركن أبداً إلى الدعة والسكون، فأمامك مشوار طويل جداً حتى تتعرف على سنن الله سبحانه وتعالى.
وقبل الخوض في تاريخ الأندلس من حيث ترتيب الأحداث منذ الفتح وحتى السقوط، منذ عام (٩٢ هـ) إلى سنة (٨٩٧ هـ) هناك بعض الأسئلة قد تجول في خاطر الناس، وهي ما يلي: