في سنة (٦٢٥هـ) استقل رجل اسمه ابن هود بشرق وجنوب الأندلس، وكان كما يصفه المؤرخون مفرطاً في الجهل ضعيف الرأي لم ينصر له جيش على النصارى، وفي سنة (٦٣٣هـ) استقل بنو زيان في الجزائر، وفي نفس السنة حدث حادث خطير وهام ومروع وهو سقوط قرطبة، وذلك بعد حصارها عدة شهور، واستغاثت بـ ابن هود الذي استقل كما ذكرنا منذ قليل بشرق وجنوب الأندلس لكنه لم يعر لها اهتماماً، كان ابن هود مشغولاً بحرب ابن الأحمر الذي استقل بجزء آخر من بلاد الأندلس، حتى اضطر أهل قرطبة للتسليم، وكان الرهبان يصرون على قتلهم لكن رفض فرناندو الثالث ملك قشتالة؛ خشية أن يدمر أهل المدينة كنوزها وآثارها الفاخرة، وبالفعل خرج أهلها متجهين جنوباً تاركين المجد العظيم خلفهم.
سقطت قرطبة حاضرة الإسلام، ومن أعظم مدن الإسلام في التاريخ، التي أفاضت على العالم أجمع خيراً وبركة وعلماً ونوراً، والتي فيها ثلاثة آلاف مسجد وثلاثة عشر ألف دار، عاصمة الخلافة الأموية أكثر من (٥٠٠) عام، والتي فيها أكبر مسجد في العالم، صاحبة ثغر من أعظم ثغور الجهاد في الإسلام، سقطت قرطبة في (٢٣) شوال سنة (٦٣٣هـ) من الهجرة، وتحول مسجدها الجامع الكبير إلى كنيسة، وما زال كنيسة إلى اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي سنة (٦٣٥هـ) استقل بنو الأحمر بغرناطة بعد موت ابن هود في نفس السنة، وسيكون لهم شأن كبير في بلاد الأندلس سنعرض له في الحلقة القادمة إن شاء الله.
وفي سنة (٦٣٦هـ) بعد استقلال بني الأحمر بغرناطة بسنة واحدة سقطت بلنسية، بعد حصار خمس سنوات متصلة على يد ملك أراجون بمساعدة فرنسا، وكان حصاراً شديداً كاد الناس أن يهلكوا جوعاً، وكان خلاله عدة مواقع أشهرها موقعة أنيشة في سنة (٦٣٤هـ) هلك فيها كثير من المسلمين، منهم الكثير من العلماء، حاول بنو حفص في تونس مساعدة بلنسية بالمؤن والسلاح، لكن الحصار كان شديداً، حتى اضطروا لترك البلد تماماً في سنة (٦٣٦هـ)، وهاجر (٥٠) ألفاً من المسلمين إلى تونس، وتحولت كل مساجد المسلمين إلى كنائس وكانت سياسة مشهورة للنصارى في كل الأراضي التي يسيطرون عليها إما القتل وإما التهجير.
وفي سنة (٦٤١) سقطت دانية بالقرب من بلنسية، وفي سنة (٦٤٣) سقطت جيان وهكذا لم يبق في بلاد الأندلس إلا ولايتان فقط، ولاية غرناطة في الجنوب الشرقي من البلاد، وولاية إشبيلية في الجنوب الغربي من البلاد، وهما يمثلان حوالي ربع بلاد الأندلس.
هذا مع الأخذ في الاعتبار أن كل ولايات إفريقيا قد استقلت عن دولة الموحدين، وسقطت بذلك دولة الموحدين، الدولة العظيمة المهيبة المترامية الأطراف ولا بد لنا من وقفة.