لماذا يسقط هذا الكيان الكبير هذا السقوط المفاجئ؟ واقع الأمر أنه ليس مفاجئاً، فدولة الموحدين كانت تحمل في طياتها بذور الضعف وعوامل الانهيار وهي كثيرة، أذكر منها ما يلي: أولاً: تعاملها بالظلم مع دولة المرابطين، وقتلها الآلاف ممن لا يستحقون القتل، وطريق الدم لا يمكن أبداً أن يثمر عدلاً، يقول ابن تيمية: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة.
ثانياً: العقائد الفاسدة التي أدخلوها على منهج أهل السنة، باستثناء يعقوب المنصور رحمه الله الذي قاومها بشدة، ولكن حتى آخر لحظات دولة الموحدين فقد ظل أشياخ الموحدين يعتقدون في عصمة محمد بن تومرت وفي صدق ما قاله.
ثالثاً: الثورات الداخلية الكثيرة التي قامت داخل دولة الموحدين، وأشهرها ثورة بني غانية والتي كانت في جزر البليار في بلاد الأندلس.
رابعاً: الإعداد الجيد من قبل النصارى في مقابل الإعداد غير المدروس من قبل الناصر لدين الله ومن تبعه بعد ذلك.
خامساً وهو أمر هام جداً: كثرة الأموال بعد انفتاح الدنيا على دولة الموحدين، فأموال الأندلس التي طالما غرق فيها كثير من رجال المسلمين، والترف الشديد الذي أدى إلى التصارع على الحكم، وإلى دعة الحكام والحركات الانفصالية كما ذكرنا.
سادساً: بطانة السوء المتمثلة في أبي سعيد بن جامع وزير الناصر لدين الله ومن كان على شاكلته بعد ذلك.
سابعاً: إهمال الشورى من قبل الناصر ومن بعده من الخلفاء، وكثير من العوامل التي اجتمعت مع ما سبق.
لا بد أن يدرس المسلمون جيداً كيف سقطت دولة الموحدين؟ هكذا سقط هذا الكيان الكبير، ولم يبق كما ذكرنا في بلاد الأندلس إلا ولايتان فقط: غرناطة وإشبيلية، ومع ذلك بقي الإسلام في بلاد الأندلس أكثر من (٢٥٠) سنة بعد هذا السقوط المروع لدولة الموحدين.
كيف بقي المسلمون هذه المدة الطويلة في بلاد الأندلس؟ وكيف استطاعوا أن يمكثوا على إسلامهم مع حرب النصارى الشديدة؟ هذا ما نتداوله وغيره إن شاء الله في اللقاء القادم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً كثيراً.