موقف محمد بن الأحمر الفقيه من المنصور المريني حينما صار حاكماً على ألمرية
مات حاكم ولاية ألمرية وتولى من بعده على حكم ألمرية ابنه وقد كان شاباً، ولما رأى أفعال يعقوب المنصور المريني وانتصاراته المتعددة أُعجب به إعجاباً كبيراً، فعرض عليه أن يحكم ألمرية، فوافق يعقوب المنصور المريني على ذلك فخلّف فيها رحمه الله قوة بسيطة من المسلمين تبلغ من العدد (٣٠٠٠) رجل واستجلب (٣٠٠٠) رجل آخرين من بلاد المغرب، ووضعهم في جزيرة طريف حتى يكونوا مدداً قريباً لبلاد الأندلس إذا احتاجوا إليها في حربهم ضد النصارى، ثم عاد إلى بلاد المغرب.
نظر محمد بن الأحمر الفقيه إلى ما فعله حاكم ألمرية من إعطاء ولاية ألمرية لـ يعقوب المنصور المريني، فأوجس ابن الأحمر، في نفسه خيفة، ففكر ولسان حاله يقول: إن في التاريخ لعبرة، لقد استعان المعتمد على الله بن عباد ملك الطوائف بـ يوسف بن تاشفين فأخذ البلاد وضمها إلى دولة المرابطين، وها هو الآن يعقوب المريني يأخذ مدينة طريف وألمرية إن في التاريخ لعبرة! لا بد أن أقف موقفاً حتى لا تضم بلاد الأندلس إلى دولة بني مرين، فهذا هو الفكر الذي كان عليه هذا الرجل الذي لقّبوه بـ الفقيه وما هو بفقيه.
فلم تكن له طاقة لمحاربة يعقوب المنصور المريني ولا لشعبه ولا لجيشه ولا لحصونه، فاستعان بملك قشتالة لطرد يعقوب المنصور المريني من جزيرة طريف، بعد أن انتصر على النصارى في موقعتين شهيرتين في التاريخ: الدونونية وما تلاها في سنة (٦٧٧هـ) وفتح إشبيلية وقرطبة وجيّان، فأتى ملك قشتالة بجيشه وأساطيله فحاصر طريف من ناحية، وحاصرها من الناحية الأخرى ابن الأحمر الفقيه، فعلم بذلك يعقوب المنصور المريني رحمه الله فعاد من جديد بسرعة إلى جزيرة طريف، وجهز الجيوش والأساطيل وحارب النصارى في موقعة كبيرة في سنة (٦٧٧هـ) وانتصر عليهم، ففروا إلى الشمال، فوجد ابن الأحمر نفسه في مواجهة يعقوب المنصور المريني، فأظهر الندم والاعتذار والأسباب غير المقبولة، فعفا عنه يعقوب المنصور المريني رحمه الله وتاب عليه وأعاده إلى حكمه.
ومن جديد يأتي يعقوب المنصور المريني في سنة (٦٨٤هـ) ليساعد ابن الأحمر في حرب جديدة ضد النصارى، هكذا وهب يعقوب المنصور المريني حياته للجهاد في سبيل الله وللدفاع عن دين الله، وفي هذه الموقعة ينتصر المسلمون على النصارى ويعقدون معهم عهداً، واشترط عليهم شروطاً فلم يطلب منهم مالاً ولا قصوراً ولا جاهاً، لكن طلب منهم أن يأتوا له بكتب المسلمين الموجودة في قرطبة وإشبيلية وطليطلة وغيرها من البلاد، وبالفعل أتوا له بكميات ضخمة جداً من كتب المسلمين، وهذا هو الذي حفظ تراث الأندلس إلى الآن، وما زالت في مكتبة فاس في المغرب إلى هذه اللحظة، فهذا يدل على علو المقاصد والهمم عند يعقوب المنصور المريني رحمه الله.