للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سقوط طليطلة في عهد المقتدر بالله]

تتصاعد المأساة في بلاد الأندلس أكثر من ذلك، ففي سنة (٤٧٨هـ) كان سقوط طليطلة الثغر الإسلامي الأعلى في بلاد الأندلس، المدينة التي كانت عاصمة للقوط قبل دخول المسلمين في عهد موسى بن نصير وطارق بن زياد رحمهما الله، فقد فتحها طارق بن زياد رحمه الله بالرعب، ومعه ستة آلاف مقاتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر)، وطليطلة الثغر الذي كان ينطلق منه عبد الرحمن الناصر ومن تبعه من الحكام المحترمين لبلاد المسلمين لفتح بلاد النصارى، ولكي يستقبلوا من بلاد النصارى الجزية، طليطلة المدينة العظيمة الحصينة التي لا تسقط؛ لأن حولها جبالاً من كل النواحي إلا الناحية الجنوبية ففيها حصن كبير ومنيع.

وسقوط طليطلة هز العالم الإسلامي في الشرق والغرب، وسقوط طليطلة سبقه استقبال لملك من ملوك النصارى لمدة تسعة أشهر كاملة داخل أرض طليطلة؛ لأنه كان هارباً بسبب خلاف حصل في أرض النصارى فذهب إلى صديقه المقتدر بالله الذي كان حاكم طليطلة في ذلك الوقت، ومكث عنده تلك المدة داخل طليطلة، والقائد المسلم غير المحنك المفرط في حق المسلمين، كان يتجول به في كل الحصون، ومداخل البلد وعلى أبواب الأنهار الداخلة لمدينة طليطلة، حتى عرف الرجل كل شيء في مدينة طليطلة، ثم عاد الملك النصراني إلى بلاده حاكماً.

وأول خطوة أخذها بعدما رجع إلى بلاده أنه دخل طليطلة ففتحها وضمها إلى بلاده، قال الله سبحانه وتعالى وكأنه يصف سقوط طليطلة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة:١]، نعم ضل المقتدر بالله سواء السبيل، فسقطت طليطلة بعد أن أسروا لملك النصارى بأسرارها.

لما سقطت طليطلة حدث إحباط شديد في كل بلاد الأندلس، يقول ابن العسال أحد المعاصرين لسقوط طليطلة: شدوا رواحلكم يا أهل أندلس فما المقام فيها إلا من الغلط أي: اتركوا البلد وامشوا منها، واحذروا أن تدافعوا عنها فقد انتهت القضية، اتركوا البلد وهاجروا منها إلى المغرب أو الشام أو أي بلد في العالم.

شدوا رواحلكم يا أهل أندلس فما المقام فيها إلا من الغلط الثوب ينسل من أطرافه وأرى ثوب الجزيرة منسولاً من الوسط أي: البلاد تحتل من الأطراف، لكن الأندلس احتلت من الوسط، فإن طليطلة في وسط بلاد الأندلس كما هو موضح في الخريطة، والحصون الشمالية في طليطلة قد سلمت قبل ذلك في معاهدة للنصارى كما ذكرنا ذلك سابقاً.

من جاور الشر لا يأمن بوائقه كيف الحياة مع الحيات في سخط أي: لا نستطيع أن نعيش مع الثعابين والحيات، فنبعد عن أرض الأندلس ونتركها؛ لأن الأندلس ضاعت، وسقوط طليطلة هز المشرق والمغرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>