للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما سبق يَتَبَيَّنُ لَكَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ عَلَى ظَاهِرِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ إِنَّمَا عَنَوُا التَّصْدِيقَ الْإِذْعَانِيَّ الْمُسْتَلْزِمَ لِلِانْقِيَادِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِلَا شَكٍّ، لَمْ يَعْنُوا مُجَرَّدَ التَّصْدِيقِ، فَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يُكَذِّبْ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالسُّجُودِ وَإِنَّمَا أَبَى عَنْ الِانْقِيَادِ كُفْرًا وَاسْتِكْبَارًا، وَالْيَهُودُ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ صِدْقَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يتبعوه، وفرعون كان يعتقد صدق موسى عليه السلام ولم ينقد له بَلْ جَحَدَ بِآيَاتِ اللَّهِ ظُلْمًا وَعُلُوًّا، فَأَيْنَ هذا من تصديق من قال الله فِيهِ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المتقون} (١) وأين تصديق من قال الله فيه تعالى فيهم: {قالوا سمعنا وعصينا} (٢) ، و {قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ به عند ربكم} (٣) مِنْ تَصْدِيقِ مَنْ قَالُوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ ربنا وإليك المصير} (٤) .

[د-أقوال المخالفين لأهل السنة في الإيمان]

١-قال ابن الراوندي ومن وافقه من المعتزلة وغيرهم: إن الإيمان هو مجرد التصديق فقط، وعلى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْيَهُودُ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِرِسَالَةِ محمد - صلى الله عليه وسلم - واستقينوها وَلَمْ يَتَّبِعُوهُ مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، وَقَدْ نَفَى اللَّهُ الْإِيمَانَ عَنْهُمْ.

٢-وَقَالَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَأَتْبَاعُهُ: هُوَ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَافِرٌ بِالْكُلِّيَّةِ إِذْ لا يجهل الخالق سبحانه أحد.

٣-وَقَالَتِ الْمُرْجِئَةُ (٥) وَالْكَرَّامِيَّةُ: الْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ دُونَ عَقْدِ الْقَلْبِ فَيَكُونُ الْمُنَافِقُونَ عَلَى هَذَا مؤمنين، وقد قال الله فِيهِمْ {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ ورسوله - إلى


(١) الزمر: ٢٣.
(٢) البقرة: ٩٣.
(٣) البقرة: ٧٦.
(٤) البقرة: ٢٨٥.
(٥) أي صنف منهم وليس كلهم ولا أكثرهم، انظر الفتاوى ج٧ ص ١٩٥.

<<  <   >  >>