سمعه جبريل وموسى -عليها السلام-، وكما يكلم عباده يوم القيامة وكما يكلم أهل الجنة، ويُسمَع تارة عن الْمُبَلِّغُ عَنْهُ، كَمَا سَمِعَ الْأَنْبِيَاءُ الْوَحْيَ مِنْ جبريل عليه السلام تبليغاً عن الحق تبارك وتعالى، وَكَمَا سَمِعَ الصَّحَابَةُ الْقُرْآنَ مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ اللَّهِ فَسَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ بِوَاسِطَةِ الْمُبَلِّغِ وَكَذَلِكَ نَسْمَعُ نَحْنُ بِوَاسِطَةِ التَّالِي، فَإِذَا قِيلَ: الْمَسْمُوعُ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟ قِيلَ: إِنْ أَرَدْتَ الْمَسْمُوعَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَلَامُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَإِنْ أَرَدْتَ الْمَسْمُوعَ مِنَ الْمُبَلِّغِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ: إِنْ سَأَلْتَ عَنِ الصَّوْتِ الَّذِي رُوِيَ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ فهو مخلوق، وإن سألت عن الكلام المروي بذلك الصوت فهو غير مخلوق، فالتلفظ الذي هو فعل العبد مخلوق، والملفوظ به كلام الله عز وجل منزل غير مخلوق والله تعالى أعلم.
[٢٤-النزول]
فمما يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَإِثْبَاتُهُ وَإِمْرَارُهُ كَمَا جَاءَ صفة النزول للرب تعالى كما أتت به الأحاديث الصحيحة من نزوله تعالى للسماء الدنيا في ثلث الليل الآخر من كل يوم وعشية عرفة (١) . ففي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:(ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فأستجب لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ له) .
فيجب الإيمان بما في هذه الأخبار من ذكر نزوله تعالى مِنْ غَيْرِ أَنْ نَصِفَ الْكَيْفِيَّةَ لِأَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصِفْ كَيْفِيَّةَ نزول خالقنا سبحانه إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ يَنْزِلُ، وَاللَّهُ جلا وَعَلَا لَمْ يَتْرُكْ - وَلَا نَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - بيان ما بالمسلمين
(١) انظر صحيح الجامع الصحيح ١٨٦٣، ١٨٦٤، وفي صحيح مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء) . انظر صحيح مسلم بشرح النووي جـ٩ ص١١٦، ١١٧.