للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير} (١) .

فهو سبحانه مع علوه أقرب إلى العبد من عنق راحلته ومن حبل الوريد، ويعلم ما توسوس به نفسه، فهو سبحانه قريب في علوه، عليٌّ في دنوه.

وحتى عند دنوه تعالى من خلقه آخر الليل أو عشية عرفة يكون تعالى عالياً، فنزوله تعالى على ما يليق بجلاله لا نعلم كيفيته.

ومعيته تعالى نوعان:

عامة: معناها إحاطته بكل الخلق علماً وقدرة.

وخاصة: لأوليائه بِالْإِعَانَةِ وَالرِّعَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ والسداد ... إلخ. وكفاك ما في الحديث: (فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وبصره الذي يبصر به ... ) الحديث (٢) . أي أن الله تعالى يقربه إليه ويرقيه إِلَى دَرَجَةِ الْإِحْسَانِ فَيَصِيرُ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتليء قَلْبُهُ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَخَوْفِهِ وَمَهَابَتِهِ وَإِجْلَالِهِ وَالْأُنْسِ بِهِ وَالشَّوْقِ إِلَيْهِ حَتَّى يصير هذا الذي في قلبه المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة، فمتى امتلأ القلب بعظمة الله لم يَبْقَ لِلْعَبْدِ شَيْءٌ مِنْ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ وَلَا إِرَادَةٌ إِلَّا لِمَا يُرِيدُ مِنْهُ مَوْلَاهُ فَحِينَئِذٍ لا يتحرك العبد إِلَّا بِأَمْرِهِ، فَإِنْ نَطَقَ نَطَقَ بِاللَّهِ، وَإِنْ سمع سمع بالله، وَإِنْ نَظَرَ نَظَرَ بِهِ، وَإِنْ بَطَشَ بَطَشَ به، فلا إرادة للعبد فيما يسمعه غير ما أراده مولاه، ولا إرادة ولا هوى فيما يبصره غير إرادة الله فهو فيما شرعه الله عز وجل ولا هوى له فيما خالف ذلك.

وفيما يلي

الأبيات المتعلقة بما سبق:


(١) الحديد: ٤.
(٢) رواه البخاري في صحيحه: كتاب الرقاق - باب التواضع، وانظر فتح الباري ج١١ ص٣٤٨.

<<  <   >  >>